شخصيات من الجنوب المغربي : الجزء الثالث من حياة العلامة محمد المختار السوسي
شخصيات من الجنوب المغربي : الجزء الثالث من حياة العلامة محمد المختار السوسي يكتبها الأستاذ : الحسين البقالي
و
وقفنا على ما كتبه العلامة محمد المختار السوسي في مؤلفاته ـ شرحا أو إيضاحا حينا، وإشارة أو تلويحا حينا آخر ـ فإننا نستطيع أن نجعله ـ بكل تجرد، وبكل موضوعية ـ رائدا في هذا الميدان، ومعنى ذلك: أنه إذا كان يوصف بالسلفي المصلح، وبالمؤرخ المقتدر، وبالمدرس المجدد، وبالصوفي المتحرر، وبمؤسس الحركة الوطنية السياسية، فيجب أن يوصف كذلك بباحث كبير في الثقافة الشعبية. وعلى سبيل المثال، أشير إلى أنه جمع 1500مثل من الأمثال الأمازيغية السوسية.وقد أشار إلى ذلك بقوله: » حرصت على جمع الأمثال الإلغية من قديم في كراسة استوفت زهاء ثلاثمائة، ثم أخذها مني الكولونيل المستشلح (جوستينار) ففرنسها ونشرها في بعض المجلات الفرنسية، ثم رجعت كرة أخرى ونحن في معتقل (أغبالو نكردوس) فأمليتها على الوزير الكبير أخي سيدي محمد الفاسي، فجمع منها عني ألفا وخمسين ما بين منثور ومنظوم" [5]. وفي لقائي مع الأستاذ محمد الفاسي أكد لي أن ما رواه عنه من الأمثال الأمازيغية السوسية يبلغ ألفا وخمسمائة مثل، توجد كلها في كتابه المخطوط الذي وضعه عن الأمثال المغربية[6]. ووضع مؤلفا حول العادات الإلغية، وقد قال عنه: » مجموعة نفيسة فيما نرى يعرف بها القاريءكيف كيف عادات تلك الجهة التي فيها " إلغ " في مجالسهم، ومآتمهم، وملاعبهم، وكيف لباسهم، وطبخهم، وما يفعلونه في أيام من السنة، كعاشوراء، واليوم الأول من يناير، والأعياد، والحصاد، والدرس والحرث ،إلى أمثال ذلك«[7].ووضع بحثا مطولا في مقارنة الأمازيغية بالعربية، أسماه: " الألفاظ العربية في الشلحية " وتحدث عنه بقوله: » جمعنا في ذلك ما شاء الله، ولا يزال ينقصه الترتيب على حروف المعجم على ما نريده، فيسر الله ذلك«[8]. كما تحدث في أكثر من مؤلف عن العادات، ووصف العمران، ودون الأعراف، إلى غير ذلك.
وقفنا على ما كتبه العلامة محمد المختار السوسي في مؤلفاته ـ شرحا أو إيضاحا حينا، وإشارة أو تلويحا حينا آخر ـ فإننا نستطيع أن نجعله ـ بكل تجرد، وبكل موضوعية ـ رائدا في هذا الميدان، ومعنى ذلك: أنه إذا كان يوصف بالسلفي المصلح، وبالمؤرخ المقتدر، وبالمدرس المجدد، وبالصوفي المتحرر، وبمؤسس الحركة الوطنية السياسية، فيجب أن يوصف كذلك بباحث كبير في الثقافة الشعبية. وعلى سبيل المثال، أشير إلى أنه جمع 1500مثل من الأمثال الأمازيغية السوسية.وقد أشار إلى ذلك بقوله: » حرصت على جمع الأمثال الإلغية من قديم في كراسة استوفت زهاء ثلاثمائة، ثم أخذها مني الكولونيل المستشلح (جوستينار) ففرنسها ونشرها في بعض المجلات الفرنسية، ثم رجعت كرة أخرى ونحن في معتقل (أغبالو نكردوس) فأمليتها على الوزير الكبير أخي سيدي محمد الفاسي، فجمع منها عني ألفا وخمسين ما بين منثور ومنظوم" [5]. وفي لقائي مع الأستاذ محمد الفاسي أكد لي أن ما رواه عنه من الأمثال الأمازيغية السوسية يبلغ ألفا وخمسمائة مثل، توجد كلها في كتابه المخطوط الذي وضعه عن الأمثال المغربية[6]. ووضع مؤلفا حول العادات الإلغية، وقد قال عنه: » مجموعة نفيسة فيما نرى يعرف بها القاريءكيف كيف عادات تلك الجهة التي فيها " إلغ " في مجالسهم، ومآتمهم، وملاعبهم، وكيف لباسهم، وطبخهم، وما يفعلونه في أيام من السنة، كعاشوراء، واليوم الأول من يناير، والأعياد، والحصاد، والدرس والحرث ،إلى أمثال ذلك«[7].ووضع بحثا مطولا في مقارنة الأمازيغية بالعربية، أسماه: " الألفاظ العربية في الشلحية " وتحدث عنه بقوله: » جمعنا في ذلك ما شاء الله، ولا يزال ينقصه الترتيب على حروف المعجم على ما نريده، فيسر الله ذلك«[8]. كما تحدث في أكثر من مؤلف عن العادات، ووصف العمران، ودون الأعراف، إلى غير ذلك.
واهتمامه هذا نابع من حسه التاريخي، ومن
مفهومه للكتابة التاريخية، ذلك المفهوم الذي شرحه بالخصوص في مقدمة كل من
"سوس العالمة" و "المعسـول".
يقول في سوس العالمة: » في المغرب حواضر
وبواد، وتاريخه العلمي العام، لا يمكن أن يتكون تكونا تاما إلا من التواريخ الخاصة
لكل حاضرة من تلك الحواضر، ولكل بادية من هذه البوادي. فإذا كانت بعض الحواضر فازت
بما يلقي على تاريخها العلمي بعض الضوء ينير الطريق للسالكين، فإن تلك البوادي
المترامية لا تزال داجية الآفاق في أنظار المتطلعين الباحثين [...] أفيمكن أن
يتكون التاريخ العام للمغرب تاما غدا، إذا لم يقم أبناء اليوم ـ والعهد لا يزال
قريبا، ولما تغمرنا أمواج هذه الحضارة الغربية الجارفة التي تحاول منذ الآن حتى
إفساد ماضينا، بما يكتبه بعض المغرضين من أهلها ـ بجمع كل ما يمكن جمعه، وتنسيق ما
لا يزال مبعثرا بين الآثار، ومنتشرا أثناء المسامرات فإنه لو قام من كل ناحية رجال
باحثون ببذل الجهود، لتكونت بما سيهيؤونه من التاريخ الخاص لكل ناحية، مراجع عظيمة
سيتكيء عليها الذين سيتصدرون للتاريخ العام المستوعب في العلم العربي المغربي غدا،
بله الحوادث والأطوار المتقلبة [...].
وبعد فإن تاريخنا لم يكتب بعد كما ينبغي،
حتى في الحواضر التي كتب عنها كثيرون قديما وحديثا [...], فليسمع صوت هذا السوسي
كل جوانب المغرب من أعظم حاضرة إلى أصغر بادية، فلعل من يصيخون يندفعون إلى
الميدان، فنرى لكل ناحية سجلا يضبط حوادثها، ويعرف برجالها، ويقول في "
المعسول " مقارنا بين حالة المغرب في الأمس والغد، مشيرا إلىالأسباب التي
جعلته يعتكف على جمع مادته وترتيبها، معتذرا عما من شأنه أن يعتبره بعض القراء
تافها. شارحا الأسباب التي جعلته مقتنعا بإدراج ذلك كله في تلك المجلدات الضخمة:
نحن نؤمن أنه سيأتي يوم يثور فيه أولادنا وأحفادنا ثورة عنيفة ضد كل ما لا يمت إلى
غير ما لآبائهم من النافع المحمود، ثم يحاولون مراجعة تاريخهم، ليستقوا منه كل ما
في إمكانهم استدراكه. فلهؤلاء يجب على من وفقه الله من أبناء اليوم أن يسعى في
إيجاد المواد الخام لهم في كل ناحية من النواحي التي تندثر بين أعيننا اليوم. وما
ذلك إلا بإيجاد مراجع للتاريخ، يسجل عن أمس كل ما يمكن من الأخبار، والعادات،
والأعمال، والمحافظة على المثل العليا، بل يسجل فيه كل ما كان ولو الخرافات أو ما
يشبه الخرافات، فإن منهم من سيأتون في الغد سيلتهم كل ما يقدم إليه كيفما كان
ليستنتج منه ما يريد أن يعرفه عن ماضي أجداده. وهذا أحد مغازي هذا الكتاب [...].
هذا وقد يجد القارئ من أبناء اليوم مما
أكتبه ما يعده من سقط المتاع،ومما لا ينبغي أن يهتم به مما يعده عند نفسه في ذوقه
من الخرافات، ولكن لا ينسين أنني مؤرخ، وقلم المؤرخ الجماعة كعدسة المصور، تلتقط
كل ما أمامها حتى ما تقذى به الأعين. فكما تلتقط الإشعاعات الساطعة، تلتقط الظلال
القاتمة. فإن لم يكن قلم يجمع للتاريخ كذلك، فإنه قلم التضليل والمسخ للحقائق، لأن
واجب المؤرخ أن ينقل قارئه بوساطة يراعته إلى الذي يتحدث عنه كأنه يشاهد عيانا
[...]. فليعلم المطالع لهذا الكتاب [...] بأنه [...] سيكون كالداخل إلى السوق التي
تجمع كل شيء، فليأخذ ما يعجبه، وليعرض عما لا يعجبه... «[10]
لم يكن مؤلفا في الثقافة الشعبية فحسب، بل
إن شعره العربي الفصيح لم يكن يبعد عن هذا لجانب، فموضوع / غرض الوصف عنده نجد فيه
وصف أكلات ومشروبات شعبية، وأقتصر في هذا على الإشارة إلى قصيدة بارعة في وصف
الأكلة الشعبية البدوية المغربية: " العصيدة "، وتتألف من 73 بيتا، وقصيدتين
متوسطتين إحداهما في وصف " أملو " وأخرى في وصف " أتاي ". له
قصيدة طويلة في 140 بيتا خصص فيها حيزا مهما لوصف مجموعة من ألعاب الصبيان في
" إلـغ ".
أسوق هنا مقتطفات من وصف أكلة "
العصيدة "، ومن ألعاب الصبيان.
Aucun commentaire