المخازن الجماعية "اكودار" أقدم التنظيمات البنكية في العالم ودورها السوسيو الثقافي والإقتصادي والسياسي
مقدمة
اكادير بالأمازيغية تجمع على إكودار وتعني مخزن الممتلكات و تتميز هذه
المؤسسات بكونها تبنى عادة على مرتفع من الارض يصعب إقتحامه، و يسهل الدفاع عنه و
تنتشر الكلمة بكثرة في الجنوب الغربي للمغرب، بما في ذلك الاطلس الكبير الغربي و
سهل سوس و الاطلس الصغير,الغاية من بنائها هي تخزين الثروات من حبوب و زيوت و
ذهب و كل ما هو ثمين، و للالتجاء اليها في حالة الحرب كما انها مكان للمبادلات
التجارية و لبعض الصناعات كالحدادة وصناعة الاسلحة و الحلي كما كان بعضها يستعمل
منزلا للقوافل، اذا كان موقعها على الطرق التجارية
.
المطلب الأول : التعريف بمؤسسة اكودار
إنشاءه لخزن
الثروات من حبوب و زيوت و غيرها ، و يتم اللجوء إليه في حالة الحرب و الأزمات، ،
كما يوظف اكودار منزلا للمهاجرين أو التجار و عموما ما هو ملك جماعي للقبيلة
بأكملها، و بالإضافة لذلك فأكادير مكان أمين تحفظ فيه الحلي و المصنوعات و كل ما
خف وزنه وغلا ثمنه بعيدا عن السرقة أو الضياع.
كما أن اكادير من الأماكن التاريخية المهمة و المشهورة لحفظ
الودائع في ربوع سوس، و أكادير عبارة عن مخزن أو بنك لحفظ الأشياء الثمينة و كذلك
المحاصيل الزراعية من قمح و ذرة حتى يتم حمايتها من السرقة و النهب خصوصا أثناء
فترة الإستعمار و التي قسم فيها الغرب إلى بلاد المخزن و بلاد السيبة.الفقرة الثانية نبذة تاريخية حول إكودار و هندسته
أولا نبذة تاريخية حول إكودار
يختزل إكودار ذاكرة سوس المنسية، و التي تؤرخ لتقاليد و أعراف توضح مدى قدم و عراقة المنطقة و تجذرها في عمق التاريخ، كما تكشف عن حضور قوي لثقافة العمل الجماعي خصوصا أثناء تخزين المحصول الزراعي، حيث يتجند رجال القبيلة و يتعاونون في عملية تجميع المحاصيل في الأماكن المخصصة لها بأكادير.
وقد ظهرت هذه المخازن الجامعية في حقبة كانت تتميز بضعف الاستقرار والأمن وبالتالي فكل قبيلة تسعى للحفاظ على مخزوناتها الغذائية وغيرها ، من كل اعتداء قد يطالها من طرف قطاع الطرق والعصابات .حددة سلفا من طرف القبيلة التي قامت بتشييده، ومن هذه الوظائف:الوظيفة التخزينية: هناك من شبه مؤسسة أكادير بمؤسسات الأبناك حاليا التي تؤدي وظيفة ائتمانية، من خلال خزن ثروات القبيلة من(نقود ومواد غذائية كالحبوب والقطاني والزيت والسمن واللحوم الجافة والخضر والفواكه الجافة والصوف والأفرشة ، كادت كلها أن تقدس تحت وطأة المجاعات والأوبئة والجراد والجفاف ومختلف الكوارث الطبيعة والصعوبات الأمنية التي عاشها المغرب لفترات طويلة إلى حدود منتصف القرن العشرين(اعوام البون)، كرست معها سلوكات الحيطة والحذر وضرورة الادخار- دواير الزمان- لما تحتمله ظروف العيش من صعوبات جمة تواجهها القبائل آنذاك.وانتهاء بعقود البيع والشراء التي عادة ما توضع داخل القصب والأواني النفيسة .
يختار البواب بشكل جماعي، ويجب أن يحظى بثقة الجميع وعادة ما يختار بالتناوب بين فخذات القبيلة سنويا، ويشترط عليه أن لا يتعامل إلا مع أرباب الأسر ويملك المفتاح الرئيسي لاكادير، ولا يحق لأي أجنبي الولوج إليه، ربما حماية لخبايا وأسرار اكادير التي لا يجب ان يطلع عليها إلا مرتاديه ومالكيه الحقيقيين.وتوضع رهن إشارته وسائل للدفاع عن أكادير.
ومن عادات هذه القبائل أن تقوم بأداء الزكاة من هذه المخزونات كما يتم منها أداء واجب « الشرط »للإمام، وأجرة البواب وأحيانا صدقة وعطاء للشرفاء والمرابطين »اكرامن »تيمنا ببركاتهم لتحظى تلك المخازن ببركة وحماية من الله.الوظيفة الاجتماعية المتمثلة في التعاضد والتلاحم القبلي: ومن الملاحظ أن هندسة مؤسسة اكودار خصوصا الهندسة الداخلية تعكس طبيعة العلاقات الاجتماعية المبنية أولا على التضامن و العمل الجماعي؛ وهذا ما يتجلى بالخصوص في شكل الأحجار المثبتة قرب الغرف المخصصة للتخزين التي تبين أن إيصال المخزون إلي مكانه يتطلب عملا تشاركيا .
و المثير كذلك للانتباه في مجلس انفلاس المكلف بتدبير الشؤون الداخلية و الخارجية للمؤسسة هو استعماله لمجموعة من العقوبات في حق المتمرد على اكودار؛ مثلا (امزواك) أي اللص، ويتعاملون معه بعقوبة الطرد من المجتمع القروي ؛لكن هذه العقوبة تكمن شدتها في التصاق امزواك بشرف عائلته امزواك : مثلا (تروى ن امزواك.....) أي أبناء اللص،وبالتالي نادرا ما تجد لصا داخل المجتمع القروي الذي تتواجد به مؤسسة اكودار.
بالإضافة إلى هذا نجد منطقا أخر أكثر إنساني الذي يطبع العلاقات الاجتماعية ؛ وهو وجود حقوق مثل حقوق المرأة و الطفل و الحيوان ؛وهذا الأخير له احترام خاص نظرا لدوره فمثلا القط الذي يؤدي وظيفة القضاء على الفئران، نظرا للنشاط الاقتصادي وطبيعة المخزون أي الحبوب وجزاء له يتم إعطاء مقدار خاص للأمين يسمى محيل ب:(أغنجا ن أومش).
بالإضافة إلي كل هذا هناك شخصية يهودية تتعايش مع انفلاس، وهذا يبين منطق التعايش بين أفراد القبيلة وبغض النظر عن ديانتهم، بل أكثر من ذلك كان لهذه الشخصية اليهودية دور فعال في ربط أكادير بمناطق أخرى ،على اعتبار اليهود آنذاك لديهم خبرة في أمور التجارة بالمنطق التقليدي .
ويمكن التنصيص على الوظيفة السياسية التي تقوم بها مؤسسة اكودار لفائدة المجتمع القروي بحكم تواجد مجموعة انفلاس التي تنظم أعراف وقوانين المؤسسة، واكودار ذو وظيفة قضائية و تحكمية تسيرها انفلاس التي كانت قادرة في أكثر القضايا إشكالية الوصول إلي حلول ترضي النسق القبلي للمجتمع بمعنى أخر انفلاس تؤدي دور سياسي يتجلى في تدبير شؤون اكودار من حقوق و عقوبات وواجبات تجاه المؤسسة وكذا تجاه أهل الدوار.الوظيفة الأمنية: إن الطريقة الهندسية التي بنيت به اكودار عامة تراعي الجانب الأمني؛ فبجانب أكادير يوجد سور طويل يحيط به. وهذا السور له "هوش" ويكون بمثابة برج للمراقبة يتناوب عليه حارسان أو أكثر بالليل والنهار. ويشرف على تسيير شؤون اكادير "لامين" الذي يعينه أهل القرية لفتح وإغلاق أبواب اكادير مقابل اجر غالبا ما يكون من المحصول الزراعي قمح أو شعير. فالبنايات عادة ما نقرا منها تلك الأبعاد الأمنية التي تمت مراعاتها أثناء عمليات التشييد والبناء حيث أبراج المراقبة، منافذ للأسلحة وأبواب وحصون منيعة وألواح تابوت من طين لا يوضع في الألواح إلا بعد مدة طويلة قد تصل إلى شهر أو أكثر تختلط فيه الحصى والأتربة والتبن والجير حتى تختمر لتحقق درجة عالية من التماسك في الجدران، اغلب هذه المخازن-اكو دار تبنى بجدران من تراب مدكوك وأحجار مجففة، عادة ما تكون مزدوجة من الخارج تملأ وسطها برمال تنذر ساكنيها بخطر الحفر كلما تعرضت لذلك من الأعداء، مع مراعاة لون البناية الذي يجب أن ينسجم مع لون تربة المنطقة ضمانا لعنصر التمويه.
إضافة إلى وظيفة التخزين والحماية، يقوم المخزن الجماعي بوظائف أخرى، وذلك من قبيل صون العلاقات الاجتماعية بين أفراد القبيلة، عبر اجتماعها في المخزن لإحياء المناسبات الدينية، والقيام بحفلات الأعراس داخله، إذ تلجه كل عائلات القرية في الفترة التي تكون فيها مناسبة معينة.
يبدو أننا أمام فكرة ابتكرها أمازيغ جنوب المغرب منذ قرون، حفاظا على أمنهم القومي، وتلبية لمتطلبات الحياة الجبلية وتأقلما مع الوضع السياسي السائد حينها. كما أنها مؤسسة اقتصادية تابعة لكل قبيلة (إن صحّ هذا التعبير العصري) تخضع لقوانين عرفية صارمة. فلم يغب عن أهل الجنوب الجانب التنظيمي أبدًا، بل سنوا تلك القوانين حتى تخدم مصلحة الجميع. وقد نرى أن هذه المخازن كانت تقوم مقام الأبناك الحالية، من جهة حماية الممتلكات المادية والغذائية والمحافظة عليها من الضياع أو السلب. فاستفادت قبائل الجنوب عبر العصور المختلفة من هذه الفكرة المبتدعة. ومن أشهر هذه القلاع "إڭيدار أڭلوي"، في الأطلس الصغير الذي قيل أن عمره عشرة قرون (أنظر الفيديو أسفل).
والذي يثير الدهشة والإعجاب هو الكيفية التي تم بها التشييد والبناء، فقديما لم تكن هناك وسائل النقل ولا آلات ولا شاحنات، إضافة إلى أن البناء - كما سبق الذكر- يتم على قمة عالية، ومع هذا كان السابقون أهل عزيمة وصمود، حملوا الأحجار وركبوا المخاطر لتحقيق غاياتهم، فابتكروا ما يخدم مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وما إڭيدار التي نجدها اليوم بناءً تقادم عهده، إلا شاهدٌ على ذلك.
ويشرف على تسير هذه المؤسسة مجلس انفلاس الذي يوضف أجيرا يقوم بالحراسة الدائمة، و يقيم داخله، كما تفرض على كل الأسر المستفيدة ان تعين بالتناوب فردا منها للقيام بواجب الحراسة لمدة يوم واحد.
أكادير إمشكيكيلن يوجد بمنطقة إمشكيكيلن في إقليم اشتوكة
ايت باها ويبعد عن مدينة ايت باها
بحوالي 7 كيلومترات و
يحتوي على برجين للمراقبة، واحد بالجنوب الشرقي و الثاني بالشمال الغربي كما نجد
بهذا المخزن مسجدا و بيتا للحارس و خزانا للماء ومكانا للإجتماع،
و يتضمن أيضا حفرا مربعة الشكل يوضع بها زيت أركان و
يمزج بالنار كي يحصلوا على الإنارة في حالة إجتماع إنفلاس ليلا ,و الحصن محاط بسور
خارجي مبني بالحجر، و هذا الحصن كغيره يخصص للامين قدرا من الحبوب كأجر له
وختاما، فالمعمار الثقافي الأمازيغي التقليدي وبالخصوص معمار إكودار يؤدي أدوارا مهمة جدا على جميع المستويات؛ إجتماعية؛ وبئية؛ وثقافية؛ وسياسية، إلا أن التحولات العميقة التي طرأت على المجتمع المغربي ساهمت في تفكيك هذه الأنماط المعمارية مما عجل في تراجع وتلاشي مجموعة من القيم والممارسات والطقوس التي كانت تحتضنها، وهذا ما يجعل سؤال الحفظ والصيانة والتدبير والتنمية يفرض نفسه الآن قبل أي وقت مضى، ولعل المتتبع لبعض أعمال الصيانة التي استفدت منها بعض هذه الأنواع المعمارية، سيلاحظ أنها لم تتعدى في عمومها المظاهر الشكلية، والخارجية والجمالية لهذه الأنواع المعمارية، إما بخلفية فلكلورية أو بدوافع نفعية وهو ما يحل بالمعمار التقليدي في كلتا الحالتين، وبمثل هذا العمل لن نعيد لهذا الترات مكانته ووظائفه التي كان يؤديها من قبل، فترميم بعض إكودار وجعلها دور وحدات سياحية إما على شكل فنادق أو دور للسياح غير كاف لهذا المعمار، وجعله مرتبطا بالتنمية، لذلك ينبغي التفكير في تصورات جديدة وآليات مستجدة تعيد الاعتبار لهذا الشكل المعماري بوصفه مؤسسة سوسيوثقافية.
المراجع
_الباحثين بماستر القانون المدني بكلية
العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية جامعة ابن زهر أكادير:
× ابراهيم غريب
× محمد أحتوش
_الجريدة الاليكترونية الفضاء المغربي
اعداد وتفديم الحسين البقالي
Aucun commentaire