صحة الموظفين النفسية بين الإبداع والابتكار في محيط العمل
العمل الإداري هو أيضا انكباب يومي ولساعات طويلة إما على كتابة وثائق أو ملفات سواء بأقلام عادية أو من خلال الجلوس وراء شاشة الحاسوب لمدة طويلة؛ وهو ما يضعف البصر ويؤثر على صحة العينين.
كما أن العمل في المكاتب والمرافق والمصالح الإدارية هو الاشتغال لساعات طوال تحت أزيز مصابيح النيون، والرد على المكالمات الهاتفية، والعيش وسط الصخب الآلي والبشري، بالإضافة إلى الضوضاء الذي يحدثه المرتفقون خاصة في الإدارات التي تتعامل مع العموم؛ وهو ما يقلص مع الوقت من قوة السمع ووضوح الرؤية.
أما بالنسبة إلى الموظفات، فغالبا ما ينعكس هذا الوضع ليس فقط على ذبول أجسامهن ونضارة وجوههن؛ بل يؤثر أيضا على نفسيتهن وحيويتهن
كدت الدراسات وجود علاقة مباشرة بين صحة الموظفين النفسية وبين الإبداع والابتكار في محيط العمل. إذ إن توفير مزايا الرعاية النفسية والرفاهية الشاملة للموظفين يسهم في تعزيز الإنتاجية والأداء، ويخفض التكاليف المترتبة على خسارة المواهب والقدرات.
كما أظهر استطلاعٌ أجراه موقع Bayt.com، الرائد في مجال البحث عن العمل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، في العام 2022 أن نسبة 52% من الموظفين بالمنطقة قد فكروا مرة واحدة على الأقل خلال الاثني عشر شهراً السابقة للاستطلاع في ترك وظائفهم الحالية بحثاً عن توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية.
وقد كشف التقرير أنّ حوالي 23% من المشاركين في الاستطلاع أهملوا التزاماتهم الشخصية والعائلية بسبب العمل، وأن 47% من الموظفين يعملون ما بين 40 و60 ساعة أسبوعياً، في حين أن 86% منهم غالباً ما يضطرون إلى العمل لساعات إضافية أو العمل من المنزل. بالإضافة إلى ذلك، ذكر 19% من المستطلعين أنه من الصعب أخذ إجازات (مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر) في وظائفهم الحالية.
بالرغم من أن العمل الإداري عادة ما يبدو لعموم المواطنين عملا مريحا يتمثل في الجلوس على كرسي لمدة طويلة والحصول على راتب شهري قار، فإن ما لا يدركونه أن هذا العمل هو إجهاد فكري متواصل وضغط نفسي مستمر. ولعل الإجهاد الفكري والنفسي يرجع بالأساس إلى طبيعة العمل الإداري الذي يتقيد بمجموعة من الضوابط التي تتركز بالأساس على الانضباط لتوقيت يومي ومراعاة الحضور في الوقت المحدد، بالإضافة إلى الخضوع لهرمية إدارية، بكل أبعادها التسلسلية ومراسيمها البرتوكولية ومظاهرها
لقد ألقت جائحة كوفيد-19 الحجر الصحي متاعب روتين يومي ممل الضوء بقوة على أهمية العناية بالصحة النفسية وحمايتها، سواء داخل الأطر الوظيفية أو خارجها. ولحسن الحظ، تلاشت النظرة السلبية التي كانت تحيط بمناقشة قضايا الصحة النفسية في بيئة العمل. أصبح أرباب العمل الآن يدركون ضرورة اعتماد تغييرات جوهرية تؤيد مفهوم أن يكون الفرد على طبيعته أثناء أداء مهامه الوظيفية.
تُظهر الشركات التي تقدم مزايا صحية نفسية تحسناً ملموساً في نسب العودة إلى العمل، التي تتجاوز 50% بعد فترات الغياب بسبب المشكلات النفسية، وهذا ليس بالأمر الهين. إذ تُعد الإجازات المرتبطة بالصحة النفسية مسؤولة عن ما يقارب 70% من إجمالي تكاليف الإعاقات في مكان العمل.
"القيادة الملتزمة تشكل الأساس، حيث يقوم كبار المديرين بدعم وإعطاء الأولوية لمبادرات الصحة النفسية بشكل علني، مما يرسي مثالاً إيجابياً يُحتذى به في جميع أرجاء المنظمة"، كما تقول سلمى الشرفاء، الميسرة القيادية والمدربة التنفيذية لمجلة عربية .
الاهتمام بالصحة النفسية استثمارٌ رابحٌ للشركات
في ظل تنافسية سوق العمل، من المتوقع أن يستقطب أرباب العمل الذين يعطون الأولوية لمبادرات الرفاهية النفسية الكفاءات البارزة ويحتفظون بها. وقد كشفت دراسة أجرتها مؤسسة ماكنزي أن 60% من المشاركين من جيل الألفية يرون أن توافر الموارد النفسية يُعد عاملاً حاسماً عند اختيارهم لمكان العمل.
Aucun commentaire