اخر الأخبار

تيزنيت بين الماضي والحاضر


تيزنيت بين الماضي والحاضر 

مدينة تيزنيت  مدينة الفضة في الجنوب المغربي أصبحت فعلاً في السنوات الأخيرة محط اهتمام كبير من الدولة والجماعات المحلية، وهذا انعكس على التنمية الاقتصادية والبنية التحتية. هناك عدة أسباب وراء هذا التوجّه، يمكن تلخيصها في نقاط ولكن هناك كذلك اسباب التراجع  وهذا مايفسر تيزنيت سابقا واليوم والغد:

 أن أسباب التراجع المحتمل في بعض جوانب التنمية بمدينة تـِزنيت أو الشعور بهذا التراجع كثيرة ومتداخلة. سأحاول عرض بعض الأمثلة على المشاريع المتوقفة أو المتأخرة، ثم استعراض بعض الأسباب المحتملة التي قد تفسر لماذا الناس يشعرون أن الوضع اليوم أقل مما كان عليه في السبعينات و الثمانينات وبداية التسعينات. من بين العوامل البارزة هو عامل المالي والاقتصادي والاجتماعي

بالضبط هذا عامل مهم جدًا وغالبًا ما يتم التغافل عنه عند تحليل دينامية التنمية في مدن مثل تيزنيت.

المدينة ـ مثل كثير من مدن الجنوب المغربي ـ كانت تعتمد بشكل كبير على تحويلات المهاجرين بالخارج (فرنسا، إسبانيا، هولندا…) منذ الستينات إلى التسعينات. هذه التحويلات كانت تُغذي:

حسابات بنكية محلية (كانت فروع البنوك بتيزنيت من بين الأكثر نشاطًا في المغرب).

بناء المنازل والعمارات في المدينة والقرى.

مشاريع صغيرة ومتوسطة: دكاكين، ورشات، قاعات شاي، سيارات أجرة…

دعم أسر كاملة في المعيشة والتعليم والصحة.

لكن مع مرور الزمن حصلت تغييرات عميقة:

 الجيل الأول من المهاجرين


أغلبهم كان مرتبطًا بالمدينة (أسَرهم هنا، يرسلون الأموال مباشرة).

كان لديهم ثقافة الادخار واستثمار المدخرات في مسقط الرأس.

كانوا يخططون للعودة أو على الأقل بناء بيت في بلدهم الأم.


الجيل الثاني والثالث

أغلب الأبناء وُلدوا أو ترعرعوا في أوروبا؛ ارتباطهم بالمدينة أضعف.

يميلون للإنفاق حيث يعيشون وليس في بلد الأصل.

قلّت التحويلات النظامية، وأحيانًا توقفت نهائيًا إلا من زيارات صيفية.

تحوّل الاستثمار من "إيداع الأموال في بنك بتيزنيت" إلى "شراء بيت أو مشروع في المهجر".

وفيات الجيل الأول


مع وفاة الجيل الأول، المدخرات الكبيرة تتوزع على الورثة في الخارج.

جزء كبير منها لا يعود إلى البنوك المحلية بل يبقى في بنوك أوروبا.

 تغيّر النظام البنكي نفسه


اليوم سهولة التحويلات الإلكترونية وخدمات البنوك عبر الإنترنت جعلت تحويل الأموال لا يستقر بالضرورة في فروع المدينة.

كثير من التحويلات تمر مباشرة عبر وكالات تحويل أو حسابات في مدن كبرى (أكادير، الدار البيضاء…).

وكل هذا وغيره أدى إلى تراجع التنمية بهذه المدينة

انخفاض الودائع البنكية المحلية.


ضعف السيولة للاستثمار المحلي (خصوصًا في قطاع البناء والعقار).

ركود نسبي في قطاعات كانت مزدهرة (بناء المنازل، المحلات التجارية، الأسواق).


هذا العامل المالي والاجتماعي مهم جدًا لتفسير تراجع الزخم الذي كان ظاهرًا في السبعينات و الثمانينات والتسعينات.

كان المال الخارجي بمثابة "محرّك تنمية" غير رسمي. بضعفه أو تغيّر وجهته، صار على المدينة الاعتماد أكثر على الاستثمارات الداخلية والبرامج الحكومية بدل عائدات المهاجرين 


أمثلة على المشاريع المتأخرة أو المتوقفة بتيزنيت

مشاريع طرقية متوقفة

هناك تخصيص مالي كبير (حوالي 36 مليار سنتيم) لمشاريع طرقية مهمة في تيزنيت، لكن تم ملاحظة توقف في الأشغال بعد أن كانت مبرمجة وُعد بها السكان. 

أزمات في الربط بالطريق الوطني بين أكادير وتيزنيت

محور طريق Agadir-Tiznit يعاني من اختناقات مرورية كبيرة، الطريق ضيقة تمر عبر دواوير، والأمور ازدادت سوءًا مع مرور الزمن، مما دفع لمقترحات ببناء طريق سريع بدل الطريق الحالية. 

الشكاوى حول توقّف البنية التحتية والخدمات

المواطنين يطالبون بكشف مصير ميزانيات مخصصة (طرقية وغير ذلك) لأن المشاريع توقفت أو تجمدت دون وضوح. 

أمثلة على مشاريع لازالت تسير أو انطلقت مؤخرًا


إكمال الطريق السريع تيزنيت-الداخلة، وهو مشروع بنية تحتية ذو بعد استراتيجي كبير للتواصل مع الأقاليم الجنوبية. 


مشاريع لتحسين جذابية المدينة

 تأهيل مداخل ومحاور رئيسية، الأحياء الناقصة التجهيز، بناء مجزرة جماعية، تأهيل الأسواق وسوق المواشي. 

دعم الزراعة خاصة مشاريع التوسع في زراعة اللوز، مشاريع القاطّيات إضافة إلى برامج لتحسين شبكات الماء الصالح للشرب في الدواوير. 

لماذا الشعور بأنه كان الوضع أفضل في  السبعينات الثمانينات والتسعينات؟ بعض العوامل الممكنة

إليك بعض الأسباب التي قد تفسر لماذا بعض الناس يشعرون أن التنمية كانت أفضل أو أسهل في تلك الحقبة، أو لماذا التراجع يظهر أكثر الآن:

الموارد والتدخل المركزي

في  السبعينات الثمانينات والتسعينات، كان للدولة دور مركزي قوي في التنمية، مع تركيز على المشاريع الكبرى، ودعم مباشر لمناطق عديدة. ربما كان هناك إنفاق عام لا يزال مركزياً ويتم بوضوح أكثر، فالمواطن يرى المشروع ينجز بسرعة أكبر.

التوقعات ترتفع بسقوط الزمن

مع ازدياد عدد السكان، والتغيرات في نمط الحياة، المطلوب من البنية التحتية والخدمات زاد (ماء، طرق، كهرباء، الصرف الصحي، الصحة، التعليم…). بالتالي المشاريع التي قد كانت كافية في السابق أصبحت غير كافية الآن، والشعور بالتراجع قد يكون بالمقارنة مع طلبات أعلى.

الفساد والتأخيرات الإدارية

في كثير من المناطق، التأخيرات في الإعلان عن المشاريع، العطاءات، الإمضاءات، أو المنازاعات القانونية تُبطىء إنجاز المشاريع. كذلك، بعض الأموال تخصص ولم تُصرف أو تُصرف ببطء، فإن توقّف المشاريع يؤدي إلى تدهور البنية التي كانت موجودة. مثلاً المبلغ المذكور لمشاريع الطرقية (36 مليار سنتيم) وتوقف الأشغال. 

الضغط السكاني والتحضر

تيزنيت كغيرها من المدن تلقّت نموًا سكانيًا وتحضرًا كبيرًا، مما يضغط على المرافق. البنى التحتية التي ربما كانت كافية لما كان عدد السكان أقل أصبحت عاجزة عن استيعاب العدد المتزايد.

الموارد المالية المحدودة أو الأولويات المتنافسة

الدولة أو الجماعات المحلية قد تواجه ضغوط مالية — ارتفاع تكلفة المواد، الكلفة التشغيلية، إلخ — ما يحد من قدرة استثمار كبيرة مستمرة. أيضاً تأتي أولويات أخرى (مثل الصحة، التعليم، التصدي 

الصيانة والتجديد

حتى لو أن مشاريع البنية التحتية تُنجز، غالبًا ما يكون الجانب القائم من الصيانة مهملًا، مما يؤدي لتدهور أسرع، فيُشعر الناس أن شيئًا ما تراجع، لأن الطرق تتلف، الماء ينقطع، الخدمات ضعيفة.

الإعلام والتوقعات

الناس اليوم مطّلعون أكثر، ومقارنة أوضح بين ما يُعد في المناطق الحضرية الرئيسية وما هو في الأقاليم. كذلك معيشتنا اليوم تُظهر الفروقات – الخدمة التي تعتبر "عادية" الآن قد تكون كانت منحة في السابق؛ فتكون المقارنات مرتفعة.


ماهي الحلول والبدائل لمواجهة هذه الصعوبات 


 بدائل لعائدات المهاجرين صار ضرورة لمدن مثل تيزنيت.

أعطيك مجموعة حلول/اتجاهات ممكنة، بعضها بدأ فعلاً في المغرب وبعضها يحتاج إرادة أكبر:

 تقوية السياحة والثقافة

السياحة الثقافية: إبراز المدينة العتيقة، أسوارها، صياغة الفضة، المهرجانات (مهرجان الفضة، مهرجان اللوز…).

السياحة الشاطئية والطبيعية: قرب تيزنيت من شواطئ ميرلفت وسيدي إفني وأكادير يجعلها مثالية لبناء دور ضيافة، فنادق صغيرة، مسارات سياحة إيكولوجية.

تشجيع الاستثمار في الأنشطة الموازية للسياحة (مطاعم، أنشطة رياضية، مرشدين سياحيين محليين).

هذا القطاع يستفيد من الموقع والإرث الموجود ويخلق عملة صعبة وفرص عمل.

 الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي

دعم التعاونيات الحرفية للفضة والأركان واللوز لجعلها أكثر تنافسية عالميًا (تصدير عبر الإنترنت، منصات عالمية).

إنشاء مراكز تكوين للحرفيين الشباب وتوفير آليات حديثة للتسويق والتغليف.

مساعدة هذه التعاونيات على الدخول في الأسواق الرقمية: Etsy، Amazon، منصات عربية.

 جذب استثمارات صناعية وخدماتية

تهيئة منطقة صناعية صغيرة مهيأة للمستثمرين (ورشات تحويل زراعي، صناعات غذائية، تخزين وتبريد الأسماك القادمة من سواحل سيدي إفني أو طانطان).

تشجيع الشركات الناشئة (startups) في تكنولوجيا المعلومات أو الخدمات عن بعد (call centers، خدمات رقمية) للاستقرار في تيزنيت مع توفير تحفيزات ضريبية.

 تقوية السياحة والثقافة


السياحة الثقافية: إبراز المدينة العتيقة، أسوارها، صياغة الفضة، المهرجانات (مهرجان الفضة، مهرجان اللوز…).


السياحة الشاطئية والطبيعية: قرب تيزنيت من شواطئ ميرلفت وسيدي إفني وأكادير يجعلها مثالية لبناء دور ضيافة، فنادق صغيرة، مسارات سياحة إيكولوجية.

تشجيع الاستثمار في الأنشطة الموازية للسياحة (مطاعم، أنشطة رياضية، مرشدين سياحيين محليين).

هذا القطاع يستفيد من الموقع والإرث الموجود ويخلق عملة صعبة وفرص عمل.

 الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي

دعم التعاونيات الحرفية للفضة والأركان واللوز لجعلها أكثر تنافسية عالميًا (تصدير عبر الإنترنت، منصات عالمية).

إنشاء مراكز تكوين للحرفيين الشباب وتوفير آليات حديثة للتسويق والتغليف.

مساعدة هذه التعاونيات على الدخول في الأسواق الرقمية: Etsy، Amazon، منصات عربية. المعلومات أو الخدمات عن بعد (call centers، خدمات رقمية) للاستقرار في تيزنيت مع توفير تحفيزات ضريبية.

الفلاحة والتثمين الزراعي

استغلال شهرة المنطقة في اللوز، الصبار، زيت أركان لإطلاق مشاريع تثمين وتحويل (تعبئة، تغليف، تسويق عالمي).

مشاريع للسقي بالتنقيط والطاقات المتجددة (ضخ الماء بالطاقة الشمسية) لمواجهة الجفاف.

 تشجيع أبناء المهاجرين على الاستثمار

إطلاق برامج تستهدف الجيل الثاني والثالث من المهاجرين: منحهم تحفيزات خاصة إذا استثمروا في مشاريع محلية (إعفاءات، تسهيل الإجراءات، مناطق استثمارية). في الموانئ  كميناء اكلو وابو الفضايل ومصانع مختلفة في جميع أنحاء الإقليم الاهتمام بالفلاحة البيولوجية والعصرية....

تنظيم لقاءات سنوية أو منتديات للتواصل بين الجالية والمدينة لتقديم فرص استثمار واضحة.

 التعليم والتكوين

إنشاء أو تقوية معاهد التكوين المهني في قطاعات لها مستقبل (السياحة، الطاقات المتجددة، الصناعات الغذائية، التسويق الرقمي). انشاء جامعات تكنولوجية  وجامعات مختلفة  تساعد في التنمية ومواكبة جميع المشاريع

هذا يوفر يد عاملة مؤهلة ويجعل المستثمرين أكثر استعدادًا للقدوم.

الاهتمام بالطاقات المتجددة

المنطقة مشمسة وريحية، يمكن استقطاب مشاريع الطاقة الشمسية والريحية (محطات صغيرة، تجهيزات محلية).

يمكن للمدينة أن تصبح مركزًا لصيانة وتركيب الألواح الشمسية والأنظمة المستدامة في الجنوب المغربي.

تقوية الحكامة والشفافية

ضمان تتبع المشاريع الممولة عموميًا حتى لا تتوقف (كما حدث مع بعض الطرق).

إشراك المجتمع المدني في المراقبة والاقتراح.

 الخلاصة:

تيزنيت تملك مقومات حقيقية (موقع، تراث، منتجات محلية، شباب، طقس) لكنها تحتاج إلى تنويع مصادر دخلها...

يكتبها الاستاذ الباحث والفاعل الجمعوي :

الحسين البقالي





Aucun commentaire

'; (function() { var dsq = document.createElement('script'); dsq.type = 'text/javascript'; dsq.async = true; dsq.src = '//' + disqus_shortname + '.disqus.com/embed.js'; (document.getElementsByTagName('head')[0] || document.getElementsByTagName('body')[0]).appendChild(dsq); })();