اخر الأخبار

شخصيات من الجنوب المغربي : أبو عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن يحيى السُوسي المرغتي، الحلقة الأولى .

ابي عبدالله محمد بن سعيد... - Histoire d'ifrane anti atlas | Facebook

 

شخصيات من الجنوب المغربي : أبو عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن يحيى السُوسي المرغتي، الحلقة الأولى من اعداد الحسين البقالي

حياته 

أبو عبد الله محمد بن سعيد بن محمد بن يحيى السُوسي المرغتي، ويقال: المرغيتي،  نسبة إلى قرية "مِرْغِت" وهي من قرى الاخصاص، تبعد عن مدينة تيزنيت بنحو 15 كيلومترا،

ولد سنة (1007هـ)، ونشأ في أسرة لها حظ من الصلاح والديانة، فتلقى تعليمه الأولي الذي يقوم على حفظ القرآن، وأخذ بعض مبادئ العربية، والفقه والأدب، ثم انتقل إلى تارودانت التي كانت تعتبر في عصره أكبر المراكز العلمية بسوس، فأخذ عن جلّة أعيانها من العلماء أمثال أبي القاسم بن أحمد الهوزالي(ت1048هـ)، وأبي مهدي عيسى بن عبد الرحمن السكتاني(ت1062هـ)، وأبي زيد عبد الرحمن بن محمد التمنارتي(ت1060هـ)، وأخذ علوم الحديث عن حافظ الوقت عبد الله بن علي بن طاهر الحسني(ت1045هـ)، ثم بعد ذلك قصد حاضرة العلم فاس رغبة منه في الجلوس إلى علمائها وتعزيز معارفة العلمية، فأخذ بها عن أبي محمد عبد الواحد بن عاشر(ت1040هـ)، وأبي عبد الله محمد بن أحمد الجنان(ت1050هـ)، وأبي حامد العربي بن يوسف الفاسي(ت1052هـ)، وقادته الرحلة منها إلى جبال غمارة وبلاد الهبط فأخذ هناك عن الفقيه النوازلي إبراهيم بن عبد الرحمن الكلالي(ت1047هـ)، كما رحل إلى الحج وجاور مدة بالحرمين الشريفين.

ولما تشبع العلامة المرغتي بأنواع من العلوم وأخذ فيها بحظ وافر، استقر بمدينة مراكش وتصدى للتدريس بمسجد المواسين الشهير مدة طويلة، وقصده الطلبة للأخذ عنه ونبغ على يديه عدد كبير منهم: محمد المعطي بن عبد الخالق الشرقي(ت1092هـ)، وأحمد بن عبد الحي الحلبي الشافعي(ت1120هـ)، وأجاز الفقيهَ محمد بن الخطيب عبد الرحمن التلمساني، وإبراهيم بن حسن الكوراني(ت1101هـ)، كما درس مدة بالزاوية الدلائية وأخذ عنه من أعلامها العلامة أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي(ت1102هـ).

اتصف المرغتي رحمه الله بالهيبة والوقار وحسن الطَّوِيَّة، والمشاركة في العلوم من تفسير وحديث ولغة وفقه، وكانت له معرفة أيضا بعلم الطب وتصدر للعلاج مدة، ثم تخلى عنه بسبب أن إنسانا أتى بهراقة فيها بول وأدخلها عليه في المسجد فقال: إن علما يؤدي بي إلى أن أكون سببا في دخول المسجد بالنجاسة لا أشتغل به.

وكان في بداية أمره يقرض  الشعر، واستكتبه بعض أمراء الدولة السعدية مدة.

اشتهر المرغتي عند العامة والخاصة بلين الجانب والعلم الوافر، فتتابعت عبارات الثناء عليه من قبل معاصريه،  فهذا محمد الصغير الإفراني يقول في صفوته:«كان رحمه الله إماما في علوم الحديث والسير، له اليد الطولى في ذلك، وإليه المرجع فيما هنالك»، ويقول العلامة محمد المختار السوسي:«الشيخ الإمام، شيخ الإسلام، خاتمة المحدثين، وسراج المريدين»، ونقل الشيخ عبد الحي الكتاني عن تلميذه محمد المعطي بن عبد الخالق الشرقي صاحب الموائد السنية أنه قال عنه: «متبع للسنة، مجتنب للبدعة، منفِّر عنها غاية التنفير، كثير المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم».

مؤلفاته

عُرف عن المترجم إلى جانب  تدريس العلوم اشتغاله بالتأليف، إذ ألّف رحمه الله مؤلفات نافعة ذاعت وانتشرت في حياته وتهافت الناس عليها بعد وفاته، فمنها على سبيل المثال لا الحصر فهرسته الحافلة الموسومة بـ«العوائد المُزْرية بالموائد»، وهي مطبوعة يجد فيها مطالعها من فوائد اللغة والشعر والأدب والفقه ما يعز وجوده في غيرها، ومن تآليفه أيضا «المستعان في أحكام الآذان»، وهي منظومة في بحر الرجز، و«كتاب كبير في مناسك الحج» عبارة عن منظومة أيضا منه نسخة بالمكتبة الوطنية بالرباط برقم(381ق)، وقد اشتهر رحمه الله بالحذق والبراعة في علم التوقيت وأبدع فيه عددا من التآليف المستحسنة؛ منها «المقنع في اختصار علم أبي مقرع»، وهي أرجوزة في 99 بيتا اختصر فيها أرجوزة الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي البطوي المعروف بأبي مقرع، وشرحها بشرح سماه «الممتع في شرح المقنع» في علم التوقيت والفلك، وهو مطبوع أيضا، ثم اختصره في «المطلع على مسائل المقنع»، طبع على الحجر قديما، وله أيضا مؤلفات في علوم أخرى تنم عن إحاطته بعلوم عصره ومشاركته فيها.

في سنة(1089هـ) فشا الطاعون وكثر الموت به، وفي السادس عشر من ربيع الثاني منه توفي العلامة المرغتي بعدما عمّر سنين عديدة قضاها في تحصيل العلم ونشره؛ فرحمه الله رحمة واسعة.

أورد العلامة المِيرْغتِي أبو عبد الله محمد بن سعيد السوسي في فهرسته العوائد المزرية بالموائد رسالةً لأحمد بن علي بن محمد لطيفة مفيدة، رأيت أن إبرازها مستقلةً مع إخراج ما حوته من فوائد تاريخية وعلمية وشرعية مما يفيد الباحث في تراث الصحراء.


وبما أن محقق العوائد المزرية لم يقف في الرسالة إلا على كلمة “السودان” و”الحاج التواتي” الواردتين في متنِها، فلا بد من محاولة رفع الالتباس على جملة أمور وقعت في الرسالة، لعل أولها معرفة صاحب الرسالة نفسِه. وقبل بيان ذلك أنقلُ نص الرسالة كما هو في الفهرسة.


نص الرسالة :


“بسم الله الرحمان الرحيم صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله.


لأَخينا في الله الفقيه العالم سيدي محمد بن سعيد حفظَ الله نجابتَهُ وأدامَ سعادَتَه سلامٌ عليكم ورحمة الله وبركاته.


بلغَنا كتابُكُم وفهِمنا مضمَّنَه أرشدنا الله وإياكم لما يحبهُ ويرضى، وجنَّبَنا ما يؤَدِّينا إلى ما يُوجِب إعراضَه عنا.


وذكرتَ أنك بمادمة أمر العشة[1] كفانا الله وإياكم همها، فإنه أعظمُ مصابٍ وقد تكون أجلَّ مصاب في الدين، أما المستغرق فيها وبطلبها على أي وجه حصلتْ من محضور ومكروهٍ ومباح فهذا أصابت أسهُمُها نحْرَه، وخيرٌ له لو لم تلِده أمّه، وأما من اهتم بالوجه الجائز فهو فيها من المجاهدين؛ قال صلى الله عليه وسلم: “من بات راغبا في طلب الحلال بات مغفوراً”[2]. والذي عندي أن الزائد على الماء والدقيق أفرط في الطّلب سيما في هذا الزمان الذي يقلّ فيه مطعَم الحلال، لأن المسافر في سفره معلوم أنه لا يأخذ إلا دقيقه في مزادته، فحيثما احتاج إلى شيء ألقى عليه شيئا منها في الماء فيَمرِسُه[3] فيشربه ويكتفي بذلك إلى ليلِه وهو يتأمل وصوله إلى متوجَّهه فيحطّ عنه أعباء سفره ويتوسع في مأكله ومشربه.


فهل لا ترى أيها الأخ أن حالة الدنيا في هذا العمر إلا على هذا الوجه؟


ثبتنا الله وإياك، وإن المهم حط الرّحال بالدار الباقية، فهنالك الفراغ للمشتهى من الملاذّ المعيشة، فمن حصل له الدقيق والماء وما يوفي به جاره فلا يجوز له طلب شيء آخر زائد من فضولِ المأكولات والإدَمَات والخضروات والثياب الليّنة، ولايدخل ذلك في دعواته، لأن القوت الذي لا حساب فيه حصل عنده، وإن تيسر شيء من ذلك من غير تملُّق لأحد من خلق الله على وجه شرعي مبذول من فضل الله من غير مكابدة فذلك رزق ساقه الله إليك، ويتناول غيرَ مسرفٍ شاكرا لأنعم ربه.


وحُدثتُ أنك تتسبّب في دكان عطاري يمتلك بتسببه كذلك، تلك حرفة الصحابة، وتعلّم ممن اشتركت معه معاملة علم البيع والشراء المتشرعين الذين عبد العلم بهما فراغ القلوب من هم الآخرة والاقبال على هم الدنيا الفانية فلا تكن كذلك. فقد قال صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس عذابا عالم لم ينفعه الله بعلمه”[4]، فتدبر ما أقول لك وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد.


فإن استطعتَ أن تكتب في دائرة، تخطّ لي فيها كيف حلّت فيه بلادُ السودان في خط الأستواء كنَوا، وبرقوا، ومهبط النيل من جبل القمر فإن تنبكتو عندنا قبالة درعة، وهذه البلاد لم يذكرها أهل الأطْوال والعُروض قبل عن ذلك من دخلها كيف ترتِيبها، فانقُط موضِعها في الدائرة واكتُب على كل نقطة اسمها واجعل في كل يومين درجةً، فإني أخشى أن تكون صلاتُنا إلى بعض تلك البلاد على ما ترى هنالك من الكُتبيِّين والقصبة والقرويين هنا مما نصب إلى تلك الناحية.


وأعلِمْني بتاريخ موت سيدي أحمد بابا[5]، [ولنا حج][6]، فإنك تجد ذلك عند السيد الحاج التواتي[7] تلميذه، وكذلك وفاة شيخنا سيدي محمد بن عبد الرحمن إن كان عندك العلم به. وعائد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك في الله العبيد الكسير أحمد بن علي بن محمد بأواسط الأخرويات من رجب المبارك 1046.”[8]


إيضاحات


أول الإيضاح أن صاحب الرسالة أحمد؛ هو على الراجح العلامة الكبير الورع الزاهد البوسعيدي أحمد بن علي بن محمد الهشتوكي السوسي، نزيل فاس ودفينها، المتوفى 13 أو 14 ذي القعدة من سنة 1046ه. وعليه يكون محمد بن عبد الرحمن المذكور في الرسالة هو الگرسيفي التملي شيخُه، المتوفى سنة 1037ه أو 1038ه[9].


وأمارات كونِ البوسعيدي صاحبَ الرسالة ما ذكر الحضيكي في طبقاته قال: “أحمد بن علي الهشتوكي البوسعيدي. كان رضي الله عنه من الفضلاء والصلحاء المتفق على ولايته. أخذ الفقه والعربية عن محمد بن عبد الرحمن الگرسيفي… وقرأ أيضا على الشيخ أحمد بابا بمراكش وصافحه وأجازه”[10]. وقال في وصف حالته في الزهد: “وكان من أزهد الناس في الدنيا فما تمسك منها لا بقليل ولا بكثير… كما كان لا يتقوت إلا من زرع يحرثه بيده في أرض وهبها له بعض أهل الخير والدين، فيعجن قرصة بيده ويجعلها في النار فيتبلغ بها، وهذا دأبه رضي الله عنه”[11].


ومن الأمارات كذلك تحرّيه في القبلة؛ فإنه كان يجتهد في ذلك ما وسعه الأمر، “وكان هو حفر قبره وقبّله على حسب ما اقتضاه اجتهاده في القبلة، فجاء منحرفا على القبور التي هو بينها”[12].


ولعل سؤاله عن تاريخ وفاة شيخَيْه الكرسيفي وأحمد بابا كان لأجل فهرسته المسماة: بذل المناصحة في فعل المصافحة، فإن العلامة الكتاني في فهرس الفهارس قال عنها: “كتاب جيد عظيم الفوائد كالفهرسة ترجم فيه لمشايخه وذكر أسانيدهم وإجازاتهم… ترجم فيه للشيخ أبي النعيم رضوان الجنوي وأبي العباس أحمد بابا السوداني…”[13].


ومتى علمنا أن الشيخ أحمد بن علي البوسعيدي كتب الرسالة وهو في فاس قبل وفاته بحوالي أربعة أشهر تأكد لنا أن العلامة الميرغتي كان أحد مصادره في معرفة الوفيات وأخبار الجنوب والصحراء بحكم تقلبه في مراكش ودرعة تلك الفترة[14].


فوائد


ومن فوائد الرسالة أنها شاهدة على التواصل العلمي والروحي بين المِيرْغتِي والبوسعيدي لما فيها من النصح الصادق والتوجيه الرباني، بل إنها أبرزت في عقدها المنظوم من المِيرْغتِي في مراكش والبوسعيدي في فاس وأحمد بابا التمبكتي السوداني، والكرسيفي السوسي، والحاج أحمد التواتي صورة صادقة عن العلاقات العلمية الرائجة بين حواضر العلم من فاس إلى الصحراء، والتي لا يكاد يخلو منها فهرس من فهارس المغاربة.


ومنها اهتمام الباحث بتواريخ الرجال ووفياتهم سيما إن كانوا من شيوخه في العلم.


ومنها أن المِيرْغتِي كان الإمام في المسائل المتعلقة بالهيئة والمواقيت والتعديل، وهو الفن الذي برع فيه حتى صار مقصودا من كل الجهات.


ومنها أن التحري في ضبط القبلة يرجع فيه إلى العلماء المحصلين لعلم التعديل والهيئة.


ومنها الحرص على تحري الحلال في الرزق واستشارة الإخوان الناصحين في ذلك.


ومنها أن من الصالحين من التزم لنفسه طريقة في الزهد والورع أداه إليها معاملته مع الله تعالى بحال خاصة، فلا يُنكَر مذهبه.


ومنها التمييز بين الضروري والحاجي والكمالي في المأكل، وعدم الإسراف فيما فضل عن الحاجة.


ومنها تفضيل طعام المريس في السفر، وهو الدقيق المنقوع في الماء حتى يختلط به.


ومنها التنبيه على ملازمة أحكام الشرع في المعاملات المالية، وطلب تعلُّمها، والاحتراز من الإقبال على الدنيا والإعراض عن الآخرة.


ومنها أن الإمام المِيرْغتِي اشتغل بالعطارة، وأنها حرفة مباركة، اشتغل بها الفضلاء والأئمة كابن كثير المكي (ت 120ه) وهو 

1 commentaire:

  1. الله ارحموا بمناسبة شهر رمضان العز يا م

    RépondreSupprimer

'; (function() { var dsq = document.createElement('script'); dsq.type = 'text/javascript'; dsq.async = true; dsq.src = '//' + disqus_shortname + '.disqus.com/embed.js'; (document.getElementsByTagName('head')[0] || document.getElementsByTagName('body')[0]).appendChild(dsq); })();