هل الإضراب حق دستوري؟
اعداد : الاستاذ الباحث الحسين البقالي
يعرف النص الإضراب بكونه توقفاً جماعياً عن العمل يتم بصفة مدبرة ولمدة محددة من أجل الدفاع عن حق من الحقوق أو مصلحة من المصالح الاجتماعية أو الاقتصادية المباشر للأجراء المضربين.
ويوضح النص أن إمكانية ممارسة حق الإضراب مكفولة للأشخاص الخاضعين لأحكام القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل، أي الأُجراء في القطاع الخاص، والموظفين والأعوان والمستخدمين لدى إدارات الدولة والمقاولات العمومية والجماعات الترابية.
وحسب مضامين مشروع القانون التنظيمي فإن كل إضراب لأهداف سياسية يعتبر ممنوعاً، كما يُشير إلى أنه لا يمكن اللجوء إلى ممارسة حق الإضراب في القطاع الخاص إلا بعد انصرام أجل ثلاثين يومياً من تاريخ توصل المشغل بالملف المطلبي من الجهة التي يمكن لها الدعوة إلى الإضراب.
والمقصود بالجهة الداعية إلى الإضراب، وفق مضامين النص، النقابة الأكثر تمثيلية أو ذات التمثيلية على الصعيد الوطني، أو النقابة الأكثر تمثيلية على صعيد المقاولة أو المؤسسة، وفي حالة عدم وجودها تكون النقابة التي حصلت على أكبر نسبة من مجموع عدد مندوبي الأجراء.
ويَشترط النص قبل اللجوء إلى الإضراب إجراء مفاوضات بشأن الملف المطلبي للأجراء قصد البحث عن حلول متوافق عليها، وفي حالة تعذر المفاوضات أو فشلها يتعين القيام ببذل جميع المساعي لإجراء محاولة التصالح، وفي حالة فشل ذلك يمكن حينها ممارسة الإضراب.
وفي المادة 8 منه، تضمن مشروع القانون التنظيمي مقتضى لصالح الأجراء والموظفين، إذ يَعتبر أن كل شرط تعاقدي أو التزام يقضي بتنازل الأجير عن ممارسة حق الإضراب باطلاً بقوة القانون.
كما تنص مُقتضيات النص على أن الأجراء المشاركين في الإضراب يُعتبرون في حالة توقف مؤقت عن العمل، وبذلك لا يمكنهم الاستفادة من الأجر خلال مدة إضرابهم، كما يُمنع عليهم احتلال أماكن العمل خلال الإضراب.
وتنح المادة 28 من القانون التنظيمي لرئيس الحكومة، في حالة حدوث آفات أو كوارث طبيعية أو أزمة وطنية، إمكانية الأمر بصفة استثنائية بموجب قرار معلل بمنع الإضراب أو وقفه لمدة محددة.
وبخصوص القطاع العام، يجب على الجهة الداعية إلى الإضراب أن تحيط علماً المرفق المعني بقرار الإضراب سبعة أيام على الأقل قبل تاريخ الشروع الفعلي في تنفيذه.
ويُستَثنى من ممارسة الإضراب القضاة وقضاة المحاكم المالية وموظفو الدفاع الوطني والقوات المسلحة الملكية والدرك الملكي ورجال وأعوان السلطة والموظفون العاملون بوزارة الداخلية، والموظفون الدبلوماسيون والقنصليون وموظفو وأعوان الجمارك وإدارة السجون والوقاية المدنية.
والأصل في الأشياء الإباحة بمعنى أن قانون الوظيفة العمومية لا يمنع الموظفين من ممارسة حق الإضراب ولذلك يعتبر الإضراب تغيبا مبررا وهو في ذلك مثل باقي التغبيات الأخرى المبررة بدواعي صحية أو نقابية وغيرها التي لا يتم اقتطاع أجور أيامها لأنها تغيبات قانونية.
وتبعا لذلك فلا يمكن التلويح بتطبيق المرسوم المذكور بالأولوية على ظهير 24 فبراير 1958 هذا فضلا عن أن هذا الظهير لاحق على المرسوم ( 5 فبراير 1958) ومن جهة أخرى فقد صدرت بعد 1958 مجموعة من الدساتير ابتداء من دستور 1962 الى دستور 2011 وكلها تؤكد صراحة على أن تنظيم ممارسة حق الإضراب هي من اختصاص القانون التنظيمي الذي يعلو درجة على التشريع العادي كما هو معلوم ويأتي مباشرة من حيث التراتبية بعد الدستور.
وعليه فابتداء من دستور 1963 لم يعد معنى لمرسوم 1958 ناهيك عن تناقضه مع ظهير 1958 السابق الذكر والذي ينص في فصله الرابع على أنه " يمارس الموظف الحق النقابي ضمن الشروط المنصوص على في التشريع الجاري به العمل.
ولا ينتج عن الانتماء أو عدم الانتماء الى نقابة ما أية تبعة فما يرجع لتوظيف المتمرنين الخاضعين لهذا القانون العام وترقيتهم وتعيينهم أو فيما يخص وضعيتهم الإدارية بصفة عامة ".
ثم إن هذا النظام لم يضع ضمن العقوبات التأديبية الاقتطاع من الأجرة ( الفصل 66), اذ لو كان في ذهنية ونية المشرع أن يعاقب على الإضراب لوضع ذلك ضمن لائحة العقوبات التأديبية التي تعتبر حصرية, وحتى عندما تحدث عن التوقيف مع ما يستتبع ذلك من توقيف الأجرة مؤقتا كعقوبة تأديبية فقد ربط ذلك بالضمانات التأديبية. وفي الأخير فإن الفصل 75 مكرر عندما تحدث عن حالة ترك الموظف لعمله بصفة نهائية اشار الى حالات التغيب المبررة قانونا ولم يذكر الإضراب وحالة ترك العمل أو الانقطاع عنه طبعا ليست هي حالة الإضراب. وهكذا يتضح بان النظام الأساسي للوظيفة العمومية لم يشر لا من قريب ولا من بعيد لموضوع الإضراب وتركه على اباحته بل على العكس من ذلك أكد على الحق النقابي للموظف وضماناته في عدم تأثيره على وضعيته الإدارية مثلما أكد وبنفس الصيغة المرسوم السابق الذكر.
والخلاصة أن مرسوم 5 فبراير 1958 يعتبر نصا ملغيا ولا قيمة له لأنه ملغى ضمنيا بظهير ظهير 24 فبراير 1958 المتعلق بالنظام الأساسي للوظيفة العمومية ولا يمكن اعتباره مرسوما تطبيقا له إلا إذا طبقنا مبدأ رجعية القوانين. كما أن المرسوم المذكور يعتبر لاغيا بحكم دستور 1962 الذي حصر موضوع تنظيم حق الإضراب في مجال القانون التنظيمي.
ونأتي الآن للحديث عن الظرفية القانونية التي يطرح فيها هذا الموضوع الآن فهي الظرفية الحقوقية التي تتمثل بالخصوص في تقرير باب خاص في دستور المملكة ( الباب الثاني) للحقوق والحريات وضمنه نص الفصل 29 على أن " حق الإضراب مضمون ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته".
ولنلاحظ بدءا على أن الدستور قد يحدد سلفا موضوع القانون التنظيمي حصرا في شروط وكيفيات الممارسة أما الإضراب كحق فهو مضمون وبالتالي لا يمكن مصادرته بالقانون التنظيمي فكيف للبعض أن يصادره الآن خارج أي تغطية قانونية ??.
من هذا المنطق يعتبر الاستناد الى مرسوم 5 فبراير 1958 في ظل الدستور الجديد ذي الحمولة الحقوقية نوعا من " الاستهتار" بالوثيقة الدستورية وهي ما زالت تشق طريقها آفاق التنزيل التشريعي .
كما يعتبر هذا الاستناد ضربا لديباجة الدستور – ولا ننسى أنها جزء من الوثيقة الدستورية بالنص الصريح – والتي تنص على التزام المغرب بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان.
والمغرب ملتزم باحترام الحريات النقابية مادام قد صادق على الاتفاقية رقم 98 المتعلقة بالحق النقابي والمفاوضة الجماعية منذ 1957 ومادام قد صادق على اتفاقية منظمة العمل الدولية المتعلقة بالحقوق الأساسية المرتبطة بالعمل (1998) وبالطبع فإن الإضراب الى جانب التفاوض الجماعي هما الوسيلتان الأساسيتان لممارسة المنظمات النقابية لوظيفتها المطلبية المتمثلة في الدفاع عن المصالح الفردية والجماعية للفئات التي تمثلها.
ولا يمكن الحد من ممارسة حق الإضراب فبالأحرى منعه إلا في حالات جد استثنائية معرفة وهي تلك التي تتعلق بالمصالح الحيوية والتي تحددها منظمة العمل الدولية ( لجنة الحرية النقابية ) في " المصالح التي قد يسبب توقفها خطرا حالا وحقيقيا بالنسبة لحياة وأمن أو صحت السكان أو جزء منهم" ( لجنة الحرية النقابية دراسة عامة سنة 1994).
هكذا إذ يتضح بأن البحث عن مرسوم 5 فبراير 1958 لاستعماله كمشجاب هش لقرار اقتطاع اجور الموظفين المضربين هو في حقيقته محاولة لمنع وتحريم حق الإضراب على الموظفين وفي غياب القانون التنظيمي للإضراب يبقى كل تدبير من هذا القبيل أو غيره يروم المساس بحق الإضراب عمل غير مشروع وينطوي على مساس خطير بالدستور وخرق سافر للمعايير الدولية التي التزم بها والمشتغل بها موظفا ،وهذا الطرف هو عموم المواطنين الذين تضيع مصالحهم بسبب الإضراب ، ويستخدمهم المشتغل دروعا بشرية من أجل الضغط على المشغل . فهؤلاء المواطنون يستغلون أبشع استغلال من طرف المشغل والمشتغل معا اللذين يعرضان مصالحهم للضياع ،الأول بتجاهل مطالب المشتغل ، وهذا الأخير بإلحاق الضرر بالمواطنين وليس بالمشغل. والذين يطالبون بحق الإضراب وبالاحتفاظ بالأجور هم بمنزلة من يريد أن يحصل على حقه ضعفين أو مرتين ، وهو ظلم لأن الظلم عبارة عن وضع الأمور في غير وضعها الطبيعي . وفي التعبير العامي يسمى الشيء بدون مقابل باطلا ، والباطل نقيض الحق . فالذين يريدون الاحتفاظ بأجورهم ،وهم في حالة إضراب يريدون باطلا ، وهم بذلك غير محقين . وإذا كانت الإضرابات في المجتمعات المتحضرة تؤتي أكلها بشكل أو بآخر ، فإنها عندنا صارت مجرد عبث لا معنى له حيث حطمت الإضرابات عندنا في بعض القطاعات أرقاما قياسية حيث مرت سنوات وهي تتكرر دون أن يغير المشغل والمشتغل معا من مواقفهما وتعنتهما . ويبدو وكأن المشغل المماطل عندنا يجازي المشتغل المضرب على حساب الصالح العام المعطل والضائع . فالمشغل المماطل لا يؤدي ما عليه من حق المشتغل ، والمشتغل المضرب لا يقوم بما عليه من واجب مقابل ما يتقاضاه من أجر. وهكذا صار الإضراب عندنا عبثا وفي حكم المؤدى عنه وكأنه عمل . وبناء على هذا من ذا الذي يكره أن يضرب عن العمل وأجره مضمون ؟ وعندما تحصى الخسارة المادية عندما تصرف الأجور في أيام الإضراب تكون النتيجة كارثة مالية تلحق بالمال العام ، فضلا عن الخسارة المعنوية والمادية أيضا بالنسبة لمصالح المواطنين المعطلة بسبب الإضراب . ففي قطاع التربية على سبيل المثال لا الحصر تضيع مع الإضرابات حصصا دراسية معتبرة تقلص من الزمن المدرسي وزمن التعلم ، إلى جانب خسارة مادية تتجلى في دفع أجور دون عمل ، فضلا عن خسارة معنوية ومادية أيضا للمتعلمين وأوليائهم . وما قيل عن قطاع التعليم يقال عن باقي القطاعات العمومية. وإذا جادل المشغل والمشتغل معا بعضهما بعضا في قضية الاحتفاظ بالأجور في حال الإضراب ،فمن من هما سيجادله المواطنون بخصوص مصالحهم الضائعة ، وعلى من تقع مسؤولية تعويض خسارتهم المادية والمعنوية ؟ ويبدو أن الإضرابات عندنا ومنذ تولي الحكومة الجديدة صارت وسائل ضغط سياسية لتصفية الخلافات الحزبية بين الحزب الفائز في الانتخابات والمشكل للحكومة ، وبين غيره من الأحزاب التي تعثر حظها . ومن المؤكد أن الأحزاب المعارضة سواء المحسوبة على اليسار أو التي تنعت بأحزاب الدولة قد سطرت هدفا واحدا ووحيدا هو إثبات أن الحزب الذي وصل أول مرة إلى مركز صنع القرار ليس أهلا لذلك متناسية أنها وصلت قبله إلى هذا المركز ولم تكسب الوطن خيرا بل كانت وراء خرابه الذي تريد أن تحمل مسؤوليته الحزب الحاكم وحده ، وتتملص منها تملص الشيطان من كفار بدر . فهل ستغلب جميع الأطراف الحكمة من أجل إنقاذ هذا الوطن من الانهيار الشامل الذي لن يجر وراءه إلا الدمار ـ لا قدر الله ـ أم أن الكل سيتمادى في غيه وضلاله مع وجود نية مبيتة لتدمير هذا الوطن عن عمد وسبق إصرار ؟؟؟ فالأيام المقبلة ستكشف عن محبي هذا الوطن حقا وعن المتظاهرين بحبه وصدق الشاعر إذ يقول :
إذا اختلطت دموع في جفون //// تبين من بكى ممن تباكى :محمد شركي
المراجع
- الدستور المغربي
- التشريع الاداري والتسييرالتربوي.
- القانوني التربوي عدنان بوشان
- مجموعة من المواقع الاليكترونية والتواصل الاجتماعي.
منها :تربويات - الجرائد التربوية - جريدة هسيريس
Aucun commentaire