الإستعداد لامتحانات الكفاءة المهنية في المجال التربوي : مفهوم الكفاية وهي وظيفة وليست سلوكا اعداد الأستاذ الحسين البقالي
الكفاية وظيفة و ليست سلوكا
تعريف بيير جيلي .
أعمال حول الكفايات .
تعريف الكفايات
الكفايات هي قدرات مكتسبة تسمح بالسلوك و العمل في سياق معين ،
ويتكون محتواها من معارف و مهارات و قدرات و اتجاهات مندمجة بشكل مركب . كما يقوم
الفرد الذي اكتسبها ، بإثارتها و تجنيدها و توظيفها قصد مواجهة مشكلة ما و حلها في
وضعية محددة .
هذا و إذا كان مفهوم الكفايات ارتبط في بداية ظهوره و انتشاره بمجال
التشغيل و المهن و تدبير الموارد البشرية في الإدارات و المقاولات ، فإننا نقترح
أن يتسع هذا المفهوم ليغطي كافة التغيرات التي ستصيب ليس فقط العمال و المهنيين (
و من بينهم المعلمين ) بل التلاميذ أيضا أثناء تواجدهم في المدرسة ، بحيث لا يبقى
مدخل الكفايات قاصرا على إعداد الأطر المهنية بما فيها أطر التعليم ، بل ينبغي أن
يتحول هذا النموذج إلى أداة لتنظيم المناهج و تنظيم الممارسات التربوية في
المنظومة التعليمية . ذلك أننا نجد أن نفس المبررات التي يتم اعتمادها عادة في
الدعوة إلى تنظيم الكفايات في المجال المهني . تبقى صالحة لتبرير دعوتنا لاعتماد
هذا المدخل في الحقل المدرسي و في إطار علم التدريس ، خاصة و أن نموذج التدريس
الهادف في صيغته السلوكية و الإجرائية أصبح عاجزا الآن عن حل العديد من المشكلات
العالقة في الحقل المدرسي و نخص منها بالذكر صعوبة الأجرأة ( الصياغة الإجرائية
للأهداف التربوية ) في العديد من المجالات و كذلك الفصل المصطنع الذي يتم بين ما
هو عقلي و ما هو حركي و بينهما و بين ما هو وجداني في شخصية المتعلم .
إن التدريس الذي يتأسس على مدخل الكفايات ، لا بد أن يبلغ مقاصده ،
لأنه لا يتناول شخصية التلميذ تناولا تجزيئيا . إن الكفاية ككيان مركب تفترض
الاهتمام بكل مكونات شخصية المتعلم ، سواء على المستوى العقلي أو الحركي أو
الوجداني . إن الكفاية تيسر عملية تكييف الفرد مع مختلف الصعوبات و المشكلات التي
يفرضها محيطه، و التي لا يمكن أن يواجهها من خلال جزء واحد من شخصيته ، بل بالعكس
من ذلك ، فإن تضافر مكونات الشخصية ، أي المعرفة و العمل و الكينونة هو الكفيل
بمنح الفرد القدرة على مواجهة المستجدات و التغلب على التحديات .
و سنعمل في إطار تعريفنا للكفايات على تقديم جملة من التعاريف التي
كانت تربط هذا المفهوم ببعض الحقول المعرفية و المهنية ، قبل أن نخلص إلى التعاريف
التي بدأت توظف هذا المفهوم في مجال التدريس .
لكن لا بد من التذكير منذ البداية بالحقيقة الأساسية التالية :
وجدنا في تحليلنا لمختلف التعاريف التي قدمت للكفايات ، أنها تتأرجح
بشكل عام ، بين الفهم السلوكي ( البيهافيوري Behavioriste ) و الفهم الذهني ( المعرفي Cognitiviste ) .
ذلك أن بعض الأعمال و البحوث تذهب إلى تعريف الكفاية باعتبارها سلسلة
من الأعمال و الأنشطة القابلة للملاحظة ، أي جملة من السلوكيات النوعية الخاصة (
خارجية وغير شخصية ) و ينتشر هذا التفسير بالأساس في مجالين :
• التكوين المهني ؛
• و في بعض الكتابات المتعلقة بنموذج التدريس بواسطة الأهداف .
في حين ينظر إلى الكفاية تارة أخرى ، كإمكانية أو استعداد داخلي ذهني
، غير مرئي Potentialité invisible من
طبيعة ذاتية وشخصية . و تتضمن الكفاية حسب هذا الفهم و حتى تتجسد و تظهر ، عددا من
الانجازات ( الأداءات Performances ) باعتبارها مؤشرات تدل على حدوث الكفاية لدى
المتعلم .
لكن الاتجاه الذي تبنيناه نحن في دراستنا هذه ، يندرج بشكل عام ضمن
هذا المنظور الأخير و الذي يعتبر الكفاية قدرات عقلية داخلية و من طبيعة ذاتية
وشخصية . و سنعمل في العناوين اللاحقة على استعراض جملة من التعاريف خاصة تلك التي
ترفض التقيد بالفهم السلوكي للشخصية و تستبعد تفسير التعلم و التعليم بردهما إلى
قانون "المثير و الاستجابة " .
و لا بأس أن نشير إلى معنى الكفاية في لغتنا ، ففي اللغة العربية فإن
أهم تعريف للكفاية أو الكفاءة هو الذي يورده ابن منظور في " لسان العرب
" ( دار الجيل ، بيروت ـ المجلد الخامس ـ ص 269 حيث ذكر:
قول حسان بن ثابت : وروح القدس ليس له كِفاءُ ،أي جبريل عليه السلام
، ليس له نظير و لا مثيل.
و الكَفىءُ : النظير ، و كذلك الكفء و المصدر الكفاءة .
و الكُفاة : النظير و المساوي .
يقول تعالي : (( لم يلد و لم يولد و لم يكن له ، كُفُؤا أحد )) .
و يقال كَفَأْتُ القِدر و غيرها ، إذا كببتها لتفرغ ما فيها.
الكُفَاة : الخدم الذين يقومون بالخدمة ، جمع كاف ، و كفى الرجل
كفاية ، فهو كاف ، إذا قام بالأمر
مفهوم الكفاية في علم النفس
الحقيقة أن مفهوم الكفاية مفهوم جديد على اللغة العلمية ، سواء في
علم النفس أو علوم التربية أو في مجال التشغيل و التسيير و تدبير المقاولات و
الموارد البشرية و غيرها من المجالات ، حيث ساد الحديث عن الإمكانات و الاستعدادات
Aptitudes و عن الميول Intérêts و عن سمات الشخصية Traits de personnalité ،
على اعتبارها تمثل الخصائص النفسية التي تميز الأفراد .
لكن شيئا فشيئا بدأ مفهوم الكفاية يغزو مختلف الحقول العلمية و يحتل
تلك المفاهيم أو يكملها و يغنيها .
و في مجال البحث التجريبي في علم النفس لم يتم الاعتراف بمفهوم
الكفاية كمفهوم يمكن أن يخضع للضبط و القياس إلا في العشرية الأخيرة من القرن
المنصرم .
و عند تصفحنا لمختلف القواميس المختصة في علم النفس ، نجدها لا تخص
هذا المفهوم سوى بحصة ضعيفة تكاد لا تذكر . و هكذا فإننا لا نعثر على كلمة كفاية Compétence في
قاموس السيكولوجيا لروبير لافون R . Lafon في حين يقدم المنجد الكبير للسيكولوجيا ، Larousse 1991
معنيين لكلمة كفاية : المعنى الأول يخص مجال سيكولوجية النمو ، حيث يقد بها مجموع
الإمكانات للاستجابات الأولية تجاه البيئة المحيطة .
في حين يتموضع المعنى الثاني ما بين علم النفس و اللسانيات و يندرج
ضمن علم النفس اللغوي Psycholinguistique ،
حيث تعني الكفاية مجموع المعارف اللسنية لدى المخاطب تمكنه من فهم و إنتاج عدد لا
نهائي من الجمل .
أما في مجال الشغالة L'ergonomie ( و هي الدراسة التي تهدف تنظيم الشغل ) فإننا
نجد ديمنطومولان M . de Montemollin أول
من كان له الفضل في إدخال هذا المفهوم إلى هذا الميدان (1984) ، حيث اعتقد أنه
أصبح من الضروري استعماله ، "إذا رغبنا ليس فقط في الوصف بل أيضا وربما في
الدرجة الأولى التفسير و التحليل ، أي تفسير السلوكيات المهنية " .
إن أشطة العمال تفترض : "شيئا ، هو عبارة عن بنية أو بنيات
جاهزة و ملائمة لإنجاز بعض المهام"
و في مؤلف جماعي مخصص لنماذج تحليل وضعيات العمل ، يتساءل لوبلاط J . Leplat : " لماذا إدخال في مجال الأركونومي ( الشغالة ) ، مفهوم الكفاية ؟ و ما الفائدة المرجوة من وراء ذلك ؟ " .
و في مؤلف جماعي مخصص لنماذج تحليل وضعيات العمل ، يتساءل لوبلاط J . Leplat : " لماذا إدخال في مجال الأركونومي ( الشغالة ) ، مفهوم الكفاية ؟ و ما الفائدة المرجوة من وراء ذلك ؟ " .
يعتقد لوبلاط أن مفهوم الكفاية لا يختلف كثيرا عن بعض المفاهيم
القريبة مثل :
المهارة = Habilité
حسن الأداء = Savoir-faire
الخبرة = Expertise
القدرة = Capacité
و يُصرح أن هذه الكلمات عادة ما يشرح بعضها البعض الآخر و عادة ما
يتم استعمال الواحدة منها مكان الأخرى . كما يميز لوبلاط بين تصورين مختلفين
لمفهوم الكفاية :
التصور السلوكي = Behavioriste
التصور المعرفي (الذهني) = Cognitiviste
فإذا كان التصور السلوكي يعرف الكفاية بواسطة الأعمال و المهام Tâches التي
يقدر الفرد على إنجازها ، فإن التصور المعرفي على العكس ، ينظر إلى الكفاية
كإستراتيجية و " نظام من المعارف يمكن من احتواء و تأطير النشاط " .
و يستنبط لوبلاط للكفاية ثلاث خصائص :
- الكفايات غائية : إننا أكفاء لأجل ... إن الكفايات حسب هذه الخاصية
، معارف إجرائية ووظيفية تتجه نحو العمل و لأجل التطبيق ، إي على اعتبار مدى
الاستفادة منها في تحقيق الهدف .
- الكفايات مكتسبة : لأننا نصير أكفاء ، إن الكفايات تكتسب بالتعلم
في المدرسة أو في مكان العمل و غيرهما.
- الكفايات مفهوم افتراضي ـ مجرد : إن الكفايات داخلية لا يمكن
ملاحظتها إلا من خلال نتائجها و تجلياتها و المؤشرات التي تدل على حصولها ، أي من
خلال ما ينجزه الفرد المالك لها .
الكفايات في مجال التربية
وجدنا في تصفحنا لبعض قواميس التربية ، تفاوتا بينها في إدراجها
لمفهوم الكفاية ضمن موادها ، من حيث الأهمية و من حيث الحيز المخصص لها .
فحسب القاموس التربوي لفولكيي P . Foulquié - 1971 ،
فإن كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية Competens من
الفعل Competer أي : الذهاب - aller - Petere و مع
Cum avec بمعنى الملاءمة مع و المرافقة . " إن
الكفاية هي القدرة capacité سواء القانونية أو المهنية المكتسبة ، لإنجاز
بعض المهام و الوظائف و القيام ببعض الأعمال " .
و في منجد التقويم و البحث التربوي ، يقدم ج . دولاندشير G . de Landsheere ،
تعريف للكفاية ينطلق من المفهوم الذي يقدمه تشومسكي و الذي يعتبرها " القدرة
لدى الأفراد ، على إصدار و فهم جمل جديدة " كما سنرى بشيء من التفصيل في
العنوان القادم . إن الكفاية في الاستعمال التشومسكي تعني المعرفة الضمنية و
الفطرية Inneé التي يمتلكها جميع الأفراد عن لغتهم " إن
النظام المستبطن (المتثمل) للقواعد المتحكمة في هذه اللغة ، يجعل الفرد قادرا على
فهمها و على إنتاج عدد لا نهائي من الجمل " .
و في قاموس اللغة الذي أشرف على إنجازه سنة 1979 ، كاستون ميالاري G . Mialaret ،
فإن كلمة Compétence مشتقة من اللاتينية القانونية : Competentia و
التي تعني العلاقة الصحيحة Juste rapport . إن
الكفاية هي حصيلة الإمكانية Aptitude أو الاستعداد . في حين أن القدرة Capacité أو
المهارة Habilité تحيل على تأثير الوسط بصفة عامة و خاصة
التأثيرات المدرسية من خلال إنجازات الفرد .
كما يعرف القاموس الموسوعي للتربية و التكوين ، الكفاية بأنها
الخاصية الإيجابية للفرد و التي تشهد بقدرته على إنجاز بعض المهام . و يقرر بأن
الكفايات شديدة التنوع فهناك الكفايات العامة Compétence générales أو
الكفايات القابلة للتحويل Transférables و التي
تسهل إنجاز مهام عديدة و متنوعة . و هناك الكفايات الخاصة أو النوعية Compétences spécifiques و
التي لا توظف إلا في في مهام خاصة جدا و محددة . كما أن هناك كفايات تسهل التعلم و
حل المشاكل الجديدة ، في حين تعمل كفايات أخرى على تسهيل العلاقات الاجتماعية و التفاهم
بين الأشخاص . كما أن هناك بعض الكفايات تمس المعارف في حين تخص غيرها معرفة
الأداء أو معرفة حسن السلوك و الكينونة .
مفهوم الكفاية عند تشومسكي و المنظور المعرفي :
يندرج تعريف تشومسكي N . Chomsky بصفة عامة ، ضمن التيار المعرفي . إذ يُعرف
الكفاية اللغوية " أنها نظام ثابت من المبادئ المولدة " و التي تُمكن كل
واحد منا من إنتاج عدد لا نهائي من الجمل ذات المعنى في لغته ، كما تمكنه من
التعرف التلقائي على الجمل ، على اعتبار أنها تنتمي إلى هذه اللغة ، حتى و إن كان
غير قادر على معرفة لماذا ، و غير قادر على تقديم تفسير لذلك .
إن هذه القدرة ، حسب تشومسكي ، غير قابلة للملاحظة الخارجية ، ويكون الشخص خلالها ، عاجزا على ذكر كيف يتمكن من إنتاج و توليد جمل مفهومة ، و لا كيف يكون بمقدوره فهم جمل ذات دلالة في لغته . و تتعارض الكفاية بهذا المعنى ، مع الإنجاز أو الأداء Performance و الذي يعني " استعمال اللغة كما نلاحظها " .
إن هذه القدرة ، حسب تشومسكي ، غير قابلة للملاحظة الخارجية ، ويكون الشخص خلالها ، عاجزا على ذكر كيف يتمكن من إنتاج و توليد جمل مفهومة ، و لا كيف يكون بمقدوره فهم جمل ذات دلالة في لغته . و تتعارض الكفاية بهذا المعنى ، مع الإنجاز أو الأداء Performance و الذي يعني " استعمال اللغة كما نلاحظها " .
إن ما يُمكِّن المخاطب ـ المستمع من الكلام و الفهم في لغته ، هو
نظام من القواعد المستبطن . كما أن الشخص الذي يمتلك لغة يكون قد استدخل نظام
القواعد الذي يحدد الشكل الصواتي للجملة و أيضا محتواها الدلالي الخاص : إن هذا
الشخص طور ما يمكن تسميته كفاية لغوية خاصة . و هذه الكفاية اللغوية يمكن أن تصير
نموذجا لكل الكفايات في مختلف المجالات . كما يصبح الفهم التشومسكي للكفاية أداة
لنقد الاتجاه السلوكي ، إن المتعلم يكتسب اللغة بفضل الاشراط ، أي بواسطة سلسلة من
الاستجابات للمنبهات ، فإنه لن يمتلك سوى عدد محدود من الصياغات ، و لن يكون
بمقدوره تكرار سوى الصياغات التي سبق له سماعها و تعلمها . في حين أننا ، نلاحظ
على العكس من ذلك ، أن كل متكلم قادر على إنتاج في لغته ، صياغات لم يسبق له
سماعها . و هكذا نقول عنه إن لديه كفاية ، أي لديه معرفة إجرائية (عملية) بالبنيات
اللغوية . إن هذه الكفاية هي التي تمكن المستمع من القدرة على القول بشكل فوري ،
ما إذا كانت هذه الجملة التي يسمعها لأول مرة صحيحة لغويا أم لا ، حتى و إن لم يكن
بمقدوره ذكر السبب .
و هكذا فإن الكفاية اللغوية التي يتحدث عنها تشومسكي ليست سلوكا .
إنها مجموعة من القواعد التي تسير و توجه السلوكات اللغوية ، دون أن تكون قابلة
للملاحظة و لا يمكن للفرد الوعي بها .
إن تشومسكي يعـطي للكـفاية بعدا جديدا . إذ يعتبرها ملكة " الانسجام و التلاؤم " ( ونضيف نحن الاندماج ) ، إنها تسمح بأن تصير الكلمات منسجمة و متلائمة حسب كل وضعية . و هكذا فالكفاية تكمن مع تشومسكي في التوافق مع جميع الوضعيات إنها الاستعداد لحسن الدراية و المعرفة .
و لم يكن تشومسكي وحيدا في إدراجه مفهوم الكفاية في التصور الذهني و المعرفي ، على عكس ما يفعل السلوكيون ، فقد قام العديد من الباحثين و من مجالات مختلفة ، بذلك و لعل في مقدمتهم بعض المهتمين بالتدريس الهادف ، و الذين انخرطوا في هذا التوجه أي التوجه الذهني المعرفي .
و منهم كانيي Gagné على سبيل المثال و الذي نظر إلى التعلم ، انطلاقا من نظرية معالجة المعلومات . على الرغم من كون مفهوم القدرة الذي يستعمله ، يختلف تماما عن مفهوم الكفاية لدى تشومسكي ، لأن كانيي يعتبرها أمرا مكتسبا و ليس فطريا . لكن و من بين الخمسة مراقي التي يحددها في نموذجه حول التعلم ، فإن المهارة الفكرية و الاستراتيجيات المعرفية و الاتجاهات ، هي بالأساس عمليات ذهنية داخلية .
إن تشومسكي يعـطي للكـفاية بعدا جديدا . إذ يعتبرها ملكة " الانسجام و التلاؤم " ( ونضيف نحن الاندماج ) ، إنها تسمح بأن تصير الكلمات منسجمة و متلائمة حسب كل وضعية . و هكذا فالكفاية تكمن مع تشومسكي في التوافق مع جميع الوضعيات إنها الاستعداد لحسن الدراية و المعرفة .
و لم يكن تشومسكي وحيدا في إدراجه مفهوم الكفاية في التصور الذهني و المعرفي ، على عكس ما يفعل السلوكيون ، فقد قام العديد من الباحثين و من مجالات مختلفة ، بذلك و لعل في مقدمتهم بعض المهتمين بالتدريس الهادف ، و الذين انخرطوا في هذا التوجه أي التوجه الذهني المعرفي .
و منهم كانيي Gagné على سبيل المثال و الذي نظر إلى التعلم ، انطلاقا من نظرية معالجة المعلومات . على الرغم من كون مفهوم القدرة الذي يستعمله ، يختلف تماما عن مفهوم الكفاية لدى تشومسكي ، لأن كانيي يعتبرها أمرا مكتسبا و ليس فطريا . لكن و من بين الخمسة مراقي التي يحددها في نموذجه حول التعلم ، فإن المهارة الفكرية و الاستراتيجيات المعرفية و الاتجاهات ، هي بالأساس عمليات ذهنية داخلية .
كما يصنف لوي دينو D'hainaut . و الذي يبتعد عن التفسير السلوكي ، الهدف في
المجال المعرفي ، على اعتبار أننا نعمل من خلاله على جعل التلميذ قادرا على إنجاز
عمل عقلي ـ معرفي و بهذا يبتعد دينو في مجال التربية و التعليم عن السلوكيين من
أمثال ماجر . إن كل من كانيي و دينو و هاملين و غيرهم ، يُدرجُون تصورهم في إطار
السيكولوجية المعرفية على عكس ماجر و من نحا نحوه . إذ يتعلق الأمر بالنسبة إليهم
بالتساؤل عما يوجد بين المنبه و الاستجابة ، أي أننا من الضروري أن نفتح "
العلبة السوداء " لنكشف عن العمليات العقلية وراء السلوك . وهكذا فعلى العكس
من الذين ينظرون إلى الكفايات على أنها سلوكيات ، فإن هؤلاء يتصورونها بشكل يجعل
منها أمرا داخليا و غير مرئي ، لذلك يمكن إدراج تصورهم كما أسلفنا ، في إطار
المدرسة المعرفية في السيكولوجيا ، ذلك التصور الذي سيمنح توجها خاصا لنموذج
التدريس الهادف ، حيث سيجعله يبتعد عن الانغلاق في النظرة السلوكية و يتجنب
بالتالي الانتقادات التي تتهمه بالتروع نحو التجزيئي و الآلية و السطحية .
الكفاية وظيفة وليست سلوكا .
يعتقد راي B . Rey 1998 أن نموذج التدريس الهادف ، خاصة لدى بعض رواده
ممن تبنوا التصور السلوكي ، يختزل التَّعَلُّمَات ( مكتسبات التلاميذ ) في العمل
على تحقيق سلسلة من الأهداف السلوكية ، التي تقود إلى تجزيء بل إلى تفتيت النشاط
إلى الحد الذي يصبح التلميذ معه عاجزا عن تبيان ما هو بصدده ، ومن الصعب عليه
معرفة مغزى نشاطه . إن هذه الترعة نحو التجزيء و التفكيك تجعل من الصعب على المقوم
مثلا ، القول بأن مجموع السلوكات المكتسبة يحقق الغاية المرجوة و التي كان من
المفروض أن تشكلها . فإذا قلنا مثلا إن على التلميذ لكي يكتسب مهارة الكتابة ، أن
يتعلم الهدف رقم 1 و بعده الهدف رقم 2 ثم الهدف رقم 3 ... الخ ، فهل يشكل مجموع
هذه الأهداف الجزئية الغاية المرجوة و هل يعي التلميذ مغزى تحقق هذه الأهداف
السلوكية الجزئية و هل يتكون لديه إدراك واضح لذلك ؟
إن السلوك الملاحظ هو في نهاية الأمر ، سلوك إنساني و بالتالي يكون
من الضروري الاعتراف له بقدر من المعنى و المغزى و القصدية . و إلا ما الفرق بين
سلوك الإنسان و عمل الماكينة؟
إن التعرف على السلوك ، لا يعني فقط تعداد التغيرات الجسمية التي تحدث لدى المتعلم . بل إن التعرف عليه يعنى أساسا التعرف عليه باعتباره سلوكا منظما و منسقا حول نشاط معين . و هكذا نرى أن مفهوم السلوك ، يعني أن يتضمن شكلا من أشكال الغائية و أن يندرج مفهوم الكفاية بدوره و كذلك مفهوم الهدف العام ، في هذا السياق .
إن التعرف على السلوك ، لا يعني فقط تعداد التغيرات الجسمية التي تحدث لدى المتعلم . بل إن التعرف عليه يعنى أساسا التعرف عليه باعتباره سلوكا منظما و منسقا حول نشاط معين . و هكذا نرى أن مفهوم السلوك ، يعني أن يتضمن شكلا من أشكال الغائية و أن يندرج مفهوم الكفاية بدوره و كذلك مفهوم الهدف العام ، في هذا السياق .
بطبيعة الحال فإن المتحمس لنموذج التدريس بالأهداف خاصة في جانبه
السلوكي ، محق عندما يشكك في إدخال مفهوم الغائية في الاعتبار ، لأن هذا المفهوم
يمكن أن يسرب إلى العلاقة بين المدرس و التلاميذ بل إلى النشاط التربوي برمته ،
أبعادا ضمنية و غامضة و يؤدي بالتالي إلى الضبابية و العشوائية . لكن المؤكد هو أن
سلوك التلميذ لكي يكون مفهوما و يكون قابلا للملاحظة ، لا بد من تناوله بقدر من
الوظيفية .
إن ما ينبغي أخذه بعين الاعتبار في موضوع الكفايات ، ليس السلوك
كانعكاس (رد فعل) عضلي و غذي و حسي حركي كما يراه السلوكيون ، بل السلوك كنشاط ـ و
مهام ذات مغزى . لذلك يعرف فيفيان دولاندشير V . de Landsheere
الكفاية بكونها " تعبير عن القدرة على إنجاز مهمة معينة بشكل مرض"
إن الكفاية سلوك يمكن التعبير عنه بأنشطة قابلة للملاحظة ، لكنها
أنشطة تتجمع و تندمج في عمل مفيد و ذي مغزى ، و هكذا فإن الوظيفة العملية
(التطبيقية) هي التي تغدو حاسمة في الموضوع .
"إن الكفايات تشكل مجموعات مهيكلة تتفاعل عناصرها و تتداخل
مكوناتها و تنتظم حسب تسلسل معين ، للاستجابة لمقتضيات الأنشطة التي ينبغي إنجازها
" .
اعداد الأستاذ الحسين البقالي
Aucun commentaire