تجربة لأستاذ فاشل
مع الرائع مصطفى بوكرن
اعلم أن الأستاذ الفاشل الذي أتحدث عنه هو أنا، لا أحب أن أحصر الحديث حول الآخرين، وأنسى نفسي، بين الفينة والأخرى، أخصص لنفسي مقالة سخرية ، أو حكي تجربة لي.
درست في المدرسة العليا الأساتذة، مادة علوم التربوية، حدثنا الأستاذ المؤطر عن كل الموضوعات التي ترتبط بالمراهقة؛ العنف والجنس والإنترنت..، قدمنا العروض في الموضوع، وما زلت أتذكر أنني قدمت عرضا قراءة في كتابة بلا حشومة لعالمة الاجتماع جسوس.
تخرجت من المدرسة العليا وذهبنا لتدريس المراهقين.
أخبرك من نهاية القصة إنني لست أستاذا، قمت بإعادة تعريف وظيفتي، انا شخص مكلف بالجلوس أمام التلاميذ لساعات معدودة، وكل همه، أن يفرض الانضباط كثيرا، ويدرس قليلا. مهنتي شبيهة بوظيفة الشرطي، غير انها وظيفة بدون سلاح، السلاح هو القلم الأحمر.
الوظيفة المركزية التي تأخذ أكبر حيز من تفكيري، كيف تمر الساعة بخير وعلى خير، ولا افكر كثيرا في كيف ادرس المادة؟
فكما أنني لست أستاذا، فإن الذين أراهم أمامي ليسوا تلاميذ، هم ضحايا مجتمع تربويا ونفسيا واجتماعيا..أي، أن الكتلة البشرية التي أمامي لا يجمعها أي خيط ناظم، هي كتلة مليئة بالتناقضات المعرفية والقيمية والنفسية..
المطلوب مني بالدرجة الأولى أن ادرس، لكن إزاء هذا الواقع القابل للانفجار، المطلوب مني بالدرجة الأولى أن اضبط "وظيفة أمنية".
لتدرس ينبغي أن ترى امامك تلاميذ لهم القابلية للتدريس، جاؤوا للدراسة، ولذلك، لا تشغل نفسك "بالضبط".
الواقع اليوم، لتبدأ مسار التدريس ناجحا، يتطلب منك الامر، أن تقضي أسبوعا أو شهرا أو شهورا، في تعليم التلاميذ أخلاقيات العيش المشترك في القسم، أي، أن تعلمهم السلوك المدني في معاملة بعضهم لبعض، ومعاملتهم للأستاذ، فما يسمى يأخلاق التواصل بين الناس معدومة، قد تتورط انت الأستاذ في تعليم تلاميذ الباكلوريا معنى، الاستئذان، والاحترام...
تخرجت وذهبت للتدريس، مكمن أن اقول بداية، أن تلاميذ القرية افضل بكثير أخلاقيا من تلاميذ المدينة. تلاميذ القرى اكثر تحضرا من تلاميذ المدن، وما أتحدث عنه الآن، تجربة في المدينة..
لماذا أنا استاذ فاشل؟
امام هذا التناقض الاخلاقي والمجتمعي والقيمي..، وجدت نفسي أمام تسونامي سيأكلني، فأصبحت "برهوشا" مثل التلاميذ، لم اكن يوما أتخيل أنني ساتلفظ بكلمة قبيحة، ليس من عادتي أن اقولها في حياتي اليومية.
مرة استفزني تلميذ، فرميت المكتب إلى التلاميذ، واجتاحتني نوبة هستيريا..، بسبب أنه قال:"بااااااااااااععععععع" تلميذ باكلوريا..
وفي إحدى الأيام تشابكت بالأيادي مع تلميذ، طرد بعد ذلك، ومن حسن المقادير الإلهية، أن التلاميذ هربوا بالتلميذ الغاضب..فهدأت الأمور، ومن حسن الألطاف أن لا احد كان يحمل كاميرا فيصور هذا المشهد..
ناهيك عن الاسفتزازت الكثيرة ..يمكن لتلميذ أن ينظر إليك نظرة خبيثة تشوش على تركيزك..
كدت أن أجن..
لأنهم جاؤوا بي إلى فضاء مليء بالامراض، وطلبوا مني التدريس، فهل يمكن أن تدرس المرضى؟
المرضى في حاجة إلى العلاج..
كيف واجهت هذا الوضع؟
جلست مع نفسي طويلا، نسيت كل ما درسوني في المدرسة العليا للأساتذة، وقمت بتحليل أعمق لما يقع امامي.
الخلاصة أن هذا الواقع نتيجة لنسق سياسي واجتماعي واقتصادي، هذا النسق يخترقه مفهوم مركزي دقيق " الحرمان من الحرية يولد الانفجار، القوي يتسلط على الضعيف، والضعيف يريد انتزاع حريته من الضعيف مثله بالقوة".
قلت لنفسي، انا ضحية لمسار علموني لأكون مدرسا، فوجدت نفسي أنني أقوم بمهمة القوات المساعدة، وهؤلاء ضحية نظام سياسي ومجتمعي لم يعلمهم معنى أن العيش المشترك في سفينة الوطن يقتضي التعاون لا العدوان.
انا ضحية وهؤلاء ضحية..
الحل الأمثل كيف يتعاون الضحايا فيما بينهم لمواجهة الجلاد..فأصبحت العلاقة فيما بينهم ليست علاقة ضبط وملاحقة وإنما علاقة مرنة فيه نسبة من الحرية بحذر، لأن الضحية، إذا استنشق طعم الحرية يصبح فوضويا..
وهكذا تنتهي السنة الدراسة بخير وعلى خير..مع القليل من الدراسة..مع الكثير من الحديث كيف يمكن أن نعيش جماعة إنسانية متعاونة متضامنة..
وكأنني تحولت من استاذ لمادة دراسية إلى مستشار تربوي..
ومع ذلك، فإن المفاجآت واردة ..
ممكن أن اقول، هذا الجيل اكثر ذكاء لكنه الأكثر قابلية لتدمير ما يساعد على العيش المشترك..لم يفهم بعد انه لا يمكن أن يعيش وحده بل الإنسان اجتماعي بطبعه..يريد أن ينزع كل شيء بالقوة..
وهذه ثقافة المجتمع، الأنانية، أنا وبعدي الطوفان..
ما هي مصيبة تعليمنا؟
الجميع يتحدث عن التعليم بما هو برامج وجدران وتكنولوجيا..ولكن لا احد يتحدث عن تربية الإنسان..
تربية الإنسان هذا مشروع أمة..وليس مشروع وزارة..مشروع تقوده قيم كبرى تواضعت عليها الأمة..
قد يفهم من هذا التحليل أنني متشائم أقدم صورة سوداوية..هذا صحيح بنسبة معينة في مكان معين في زمان معين..ولا يمكن لعاقل أن يعمم.
أنا اذهب إلى القسم من أجل أفراد على رؤوس الأصابع، يحيونني من جديد..هم وحات في صحراء المدرسة العمومية..
ما يهدد المغرب الانهيار التربوي العالم وليس التخلف التعليمي...
Aucun commentaire