بركة محمد تجارة اهل سوس في تاريخ المغرب
عراقة تجارة أهل سوس و بركة محماد "مول الحانوت":
انتشرت مؤخرا تغريدات في الصفحات الفايسبوكية حول هجرة إشلحين للمدن المغربية بمناسبة عيد الأضحى المبارك،وتضمنت عبارة"هجرة الأشلحة"،لما تضمنته هذه العبارة من تهكم واحتقار لدور التاجر السوسي في الاقتصاد الاجتماعي بأعماق المدن المغربية الكبرى.
تزخر الثقافة المغربية بالعديد من النكت حول بخل تجار سوس، وكما تعرفون فمصدر النكتة يكون غالبا نتاج حقد دفين، أو غيرة معينة، أو سخرية هدفها تكريس الإقصاء في المجتمع، ولكن عندما نرجع إلى التاريخ، نستخلص الكثير من العبر التي يجهلها الكثير حول الدور الحيوي للتاجر السوسي عبر تاريخ وحضارة المغرب.
لقد خصص شروتر دارسة مهمة حول تجار الصويرة وعلاقتهم بتجار البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، فهذه الدراسة القيمة، مكنت من نفض الغبار عن الدور الحيوي لتجار سوس في الازدهار الاقتصادي لمرسى الصويرة منذ تأسيسه على يد السلطان سيدي محمد بن عبد الله، وتحدث شروتر عن أسر سوسية عريقة كأسرة توفلعز التافراوتية، التي أدخلت أول مطحنة للدقيق بالمدينة، مبرزا دورها في مقاومة الاحتلال الفرنسي لجزيرة الصويرة سنة 1844م، إذ دعمت الحركة الجهادية من مالها الخاص لردع هذا الاحتلال الغاشم، إلى حد أن منحهم المخزن صفة تجار السلطان نظرا لمكانتهم الاقتصادية بالمدينة، واستمر هذا العطاء الوطني في سنوات المقاومة المسلحة، حيث كان لتجار سوس نصيب وافر من دعم المقاومة المغربية.فما هو سر نجاح تجار سوس؟
تعددت الأسباب الكامنة وراء هذا النجاح، الذي جعل منطقة سوس مرتعا لأسر تجارية عريقة، شكلت شرايين الاقتصاد المغربي عبر التاريخ، فالمنطقة عرفت استقرارا قديما لأسر يهودية عريقة قبل الإسلام، التي كانت تمتهن التجارة في نشاطها اليومي، حيث نسج اليهود علاقات تجارية مع القبائل السوسية، مما مكن أهل سوس من التمرس على التقاليد التجارية المعروفة آنذاك في العالم القديم،بالإضافة إلى الموقع الجغرافي للقبائل السوسية وانفتاحها على المحاور التجارية الكبرى بإفريقيا جنوب الصحراء،حيث اضطلعت دار إليغ بتازروالت بأدوار تجارية وصل صداها إلى التجارة الدولية،مما خلف تقاليد وممارسات تجارية متوارثة عبر الأجيال، وفصلت فيها أطروحة دكتورة الدولة،التي أنجزها الأستاذ عمر أفا حول التجارة المغربية في القرن 19:البنيات والتحولات، وهي من الدراسات التاريخية المنجزة حول الدور الحيوي لقبائل سوس في التجارة المغربية،بالإضافة إلى دراسته المفصلة حول مسألة النقود في تاريخ سوس.
ومن الدراسات الأنثروبولجية المنجزة حول تجار سوس،نجد الدراسة التي قام بها جون واتربوري ما بين 1966 و1971، ورصد من خلالها انخراط السوسيين في عالم التجارة والسياسة في نفس الوقت،ارتباطا بالتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمغرب خلال تلك المرحلة، مبرزا أدوار تجار سوس في العمل الحزبي والنقابي ونضالات الحركة الوطنية،وتشكل هذه الدراسة مقاربة منهجية من أنثروبولوجي من طينة واتربوري لظاهرة إبودرارن بمدينة الدار البيضاء، وفصل في هيمنتهم على تجارة التقسيط وتبقالت بأغلب المدن الكبرى والصغرى،من خلال اهتمامه بالتجار المنحدرين من قبائل أمْلْنْ، ودراسة نموذج شخصية التاجر الحاج ابراهيم (المولود سنة 1914.
كان لبنية الأمثال الأمازيغية السوسية دورها الفعال في التشجيع على العمل والتفاني فيه،وكان لقساوة الظروف المناخية أثر في نسج شخصية تجارية، تقاوم من أجل لقمة العيش، وساهم هذا العامل في انطلاق هجرات كبرى للأسر السوسية إلى المدن المغربية الكبرى، حيث استطاعت هذه الفئة الاندماج في الوسط الحضري، وتمكنت من نسج علاقات اقتصادية لتصبح قوة تجارية، تحكمت في عمليات التوزيع والبيع والشراء، إلى حد جعل من التاجر السوسي ملازما للأسر المغربية في أزماتها، والضامن الوحيد لاستقرارها الاجتماعي، فيكفي زيارة مدينة من حجم الدار البيضاء وباقي المدن الأخرى خلال الأعياد الدينية، لتتضح مكانة تجار سوس بتركهم لهذه المدن كالأشباح، وننتظر قدوم بركتهم من أعالي جبال سوس الشامخة بعد نهاية إجازة العيد. أبيهي محمد ـ أستاذ التاريخ المعاصر/جامعة محمد الخامس،الرباط.
Aucun commentaire