اخر الأخبار

نبذة عن الشيخ العلامة مبارك همام.. آثاره، شيوخه، وظائفه ووصيته



نبذة عن الشيخ العلامة مبارك همام.. آثاره، شيوخه، وظائفه ووصيته

تعزية في حق شيخنا الهمام العلامة سيدي مبارك همام

الحسين أكروم الساحلي

انتقل إلى الرفيق الأعلى إمام مسجد السنة بتزنيت، العلامة الفقيه النظار سيدي مبارك همام الجراري، بعد صلاة الفجر من يومه الجمعة 29 ربيع الأول 1440 هجرية الموافق لـ: 7 دجنبر 2018 عن سن عالية تناهز مائة سنة، بمقر سكناه بحي النخيل بمدينة تزنيت، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنانه.

وأداء لبعض حقوقه علينا -كان لزاما علينا- بصفته من شيوخنا؛ أن نكتب عنه نبذة للتعريف به، -مخافة ألا يكتب عنه شيء- وفاء لجهوده، واعترافاً بجميله؛ فهي وإن كانت ترجمة موجزة، لكنها تبقى للاستئناس إلى حين ظهور ثلة من الباحثين الشباب علهم يتجهون إلى أخباره لاسيما وأن الفقيه سي محمد لعكيدي أحد تلامذة المرحوم أخبرني أن شيخه ألف كتابا عن نشأته العلمية، ومختلف تقلبات حياته، لكنه لم يتممه.

شيوخه:
ولد رحمه الله سنة 1921 م، وبعد نعومة أظفاره حفظ القرآن بدواره تالعينت نايت جرار حتى مهر فيه، ثم انتقل عند مؤرخ سوس العلامة الناقد الإكراري صاحب روضة الأفنان، ودرس عنده مجموعة من المتون المتداولة في المدارس العلمية العتيقة كالآجرومية، وابن عاشر، والرسالة، والجمل، واللامية، وغيرها، وقد ترجم شيخه الإكراري لنفسه في آخر كتابه الروضة.

ثم انتقل المرحوم إلى سيدي بوعبدلي بأيت براييم عند عميد المدرسة سيدي إبراهيم أُوعبد العزيز الأدوزي المتوفى سنة 1392 هجرية، ودرس عنده المتون المتوسطة، وترجمته مفصلة في المعسول الجزء الخامس ص /99 وما بعدها.

بعدها تشوفت نفسه إلى شيخه الثالث والأخير سيدي الحاج مسعود الوفقاوي المتوفى سنة 1366 هجرية بمدرسة إغيلالن، وترجمته مفصلة في المعسول الجزء الثالث/ 59 وما بعدها.

 فدرس عنده المتون الكبيرة حتى مهر في العقليات والفقهيات، وزاحم هناك عددا من الفحول الذين تخرجوا على يد شيخ الجماعة سيدي الحاج مسعود المذكور كزكرياء السكال البعمراني، والعدوي، والبودراري الوجاني، وبن بريك البعمراني، وأولاد المسلوت، وأحمد تعدويت، والحاج إبراهيم المعتصم، وبلدينا إبراهيم بليزيد الساحلي، وسيدي الطاهر السكراتي، وشيخنا المؤقت سيدي الحاج محمد بن لحسن بلباز، وطائفة من الذين معهم.

وقد توفي قبل ثلاثة أيام أحد تلاميذ سيدي مسعود وهو الفقيه الحسن الرقيبي، والد الأستاذ أحمد الرقيبِي أستاذ بكلية الآداب، والأحياء من تلامذة سيدي الحاج مسعود الآن قليلون؛ يعدون على نصف أصابع اليد الواحدة.

وظائـفه:
كان الفقيه المرحوم أستاذا بإعدادية مولاي رشيد بتزنيت حتى تقاعد في بداية الثمانينات، ثم عين إماما للصلوات الخمس بمسجد السنة بتزنيت منذ تدشينه في عيد العرش لسنة 1983 وبقي فيه إلى نحو سنة 2016 أي: 33 سنة متصلة، كلها قضاها في الجد والاجتهاد، والاحترام، والسمعة الطبية، والتفاني في العمل، والإخلاص فيه، وتولى الخطابة فيه؛ أي: في مسجد السنة وقتها الفقيه سيدي أحمد سعد الرسموكي إلى وفاته رحمه أواخر 1429 هجرية.

بعدها لزم المرحوم سيدي مبارك داره بعد مرض ألم به، وقد زرته قبل شهرين رحمه الله وصادفت هناك مجموعة من أعضاء المجلس العلمي وبعض محبيه.

ثم عين أستاذا للكراسي العلمية بمسجد السنة منذ تدشينها في مسجد السنة بتاريخ: 14 أبريل 1986 كما أفادني سيدي إبراهيم الصالحي. وقد درست عنده الفقه في تلك الكراسي طيلة التسعينات بمعية ثلة من الأفاضل، وكان فقيها كبيراً متضلعاً في فروع المذهب خاصة مختصر خليل، وكان رحمه الله يضرب أوله بآخره كثير الاستحضار لنصوصه، خبيراً بفروعه، مداوماً لقراءته ومدارسته، وربما لا أبالغ إن قلت: لا يوجد أحد في طبقته تمكنا منه في مباحثه .

وكثيراً ما يسأله بعض الحاضرين عن أمر من أمور الدين فتجده ذلك الفقيه الذي يصول ويجول فِي بطون الدواوين الفقهية، ومستشهداً عند الاقتضاء بمقاطع من متون المذهب المالكي.

 أما المستجدات والنوازل فسهمه فيها مصيب، وحاز فِي كل ما ذُكـر أوفر نصيب، وتخاريجه على أصول المذهب سالمة، وإلزاماته على فروعه لازمة.

ومن وظائفه كذلك؛ اختياره عضوا للإفتاء بالمجلس العلمي، وكان يُعتمد عليه في الفتيا ولو جمعت فتاواه لخرجت في كتاب متوسط، وقد طلبتها من ابنه الأستاذ سعيد وقت زيارة شيخي  سيدي مبارك؛ فوعدني أن يجمعها بمعية بعض مراسلاته العلمية، ومناظراته بين أقرانه .

آثاره :
من آثاره رحمه الله قصائد عدة مليحة وقفت في هذه العجالة على اثنتين وهما: مرثية لصديقه سيدي أحمد سعد المذكور وهي منشورة ضمن كتاب: "أعمال اليوم التأبيني للعالم الفقيه السيد أحمد سعد رحمه الله" منشورات جمعية علماء سوس في الصفحة 108-109. والثانية: مرثية لشيخنا سيدي محمد بن أحمد العتيق الإلغي توجد ضمن كتاب: الروض الأنيق في تأبين العلامة العتيق صفحة 223-224 وتوجد له فيه كذلك كلمة نثرية في صفحة 131- 132، وله بحث حول العدة، وفتاو متفرقة، وكتاب ترجم فيه لنفسه.

خصاله ومحاسنه:
عرف رحمه الله بالزهد، والتقوى، والبعد عن ملذات الدنيا الفانية، وعدم تأثيل الأملاك، فلا تكاد تجده يتغيب عن إحدى الصلوات إلا في القليل النادر، وحتى إن فعل فتلك نادرة وضرورة قصوى، فكان لا تستهويه مجالس تجار تزنيت وأعيانها، ولا يحضر فيها إلا بعد إلحاح منهم.

مجالسه العلمـية:
يمكن تقسيم مجالسه العلمية إلى قسمين:

الأول: خاص بالفقهاء، والأئمة، والخطباء، حيث يجتمعون عنده ويدرسون متنا من المتون كتفسير الجلالين، أو الرسالة، أو المنطق، أو علم الفلك، أو الفقه، وختم عنده مجموعة من الأئمة عدداً من الفنون المذكورة.

الثاني: خاص بطلبة التعليم العتيق لما استحدث هذا النظام في بداية الألفية الثانية كان الفقهاء والطلبة المسجلون في الباكالوريا يخصص لهم دروسا علمية في غالب المواد المقررة، فقد ختموا عنده تلك الدروس، وقل أن تجدهم يرسبون في الامتحان وما كان ذلك ليكون لولا خبرته العلمية، وكثرة تجربته في التربية.

وعلاوة على ذلك فقد عرف رحمه الله بدقته في التدريس، ومهارته في التعليم، وكان يستقبل الطلبة في مجلسه الموجود بمسجد السنة، وكان متواضعاً هادئاً، متحليا صفات العلماء الربانيين، وطلعته كطلعة الصلحاء والزهاد والمتقين، وكلامه ومحاوراته تذكرك بأهل الله وخاصته.

 والحاصل أن تزنيت اليوم فقدت أحد رجالاتها العلمية وهو من الطبقة الأخيرة التي درست المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني بعيدا عن المشوشات التي أحدثتها التيارات الحديثة على الدين والتدين، فقد غرف كثيرون لحسن الحظ من ذلك المعين الصافي .
 
مدفنه ووصيته:
غسله صاحبه بالجنب ورفيقه في مهنته؛ مؤذن مسجد السنة سيدي الحاج بلقاسم، ودفن رحمه الله بوصية منه بمقبرة مسقط رأسه دوار تلعينت نايت جرار جماعة الركادة تزنيت، وتضم تلك المقبرة ضريحاً كبيراً للولية الصالحة المشهورة "للا إجو" وعليها قبة ومشهد كبير، وفيها دفن كذلك القائد عياد المتوفى 1360 هجرية، علما بأن المرحوم سيدي مبارك تزوج بنت القائد المذكور، وماتت قبله.

 وقد حضر أثناء مدفنه خلق كثير من محبيه وطلبته وسائر أصدقائه ومعهم عموم الناس حتى صلى الناس خارج مسجد السنة على سَعته خلافاً للعادة، وصادف موته ثلاث جنائز أخرى فصلى الناس على الجميع، وألقى الأستاذ سي عبد الله بلعمشي كلمة مقتضبة سرد فيها جملة من محاسنه فرحمهم الله تعالى وأسكنهم فسيح جنانه، إنا لله وإنا إليه راجعـون.

وكتبه الحسين بن أحمد الساحلي ليلة السبت الأخير من ربيع الأول 1440. الموافق لـ: 8 دجنبر 2018.

Aucun commentaire

'; (function() { var dsq = document.createElement('script'); dsq.type = 'text/javascript'; dsq.async = true; dsq.src = '//' + disqus_shortname + '.disqus.com/embed.js'; (document.getElementsByTagName('head')[0] || document.getElementsByTagName('body')[0]).appendChild(dsq); })();