ابن بطوطة الرحالة المغربي: السيرة الذاتية والبطولة الفردية (ج 01).

الرحالة الجغرافي، المؤرخ، القاضي، الفقيه، الشاعر، والاجتماعي
مقدمة:
في كل شهر فبراير من كل عام تحل ذكرى ميلاد الرجل العظيم ابن بطوطة من أبناء مدينة طنجة – أقصى شمال المغرب. من أشهر الشخصيات الأمازيغية العربية الإسلامية التي اقترن اسمها بالبحر وبالمغامرات والحكايات الغريبة، مثل السندباد البغدادي هو شخصية ابن بطوطة، الذي جاب البحار وتجول في البلدان وكتب عن الشعوب كأي دارس في وقتنا
انجاز وإعداد ذ. الحسين البقالي
المعاصر، وقد تحرى الدقة العلمية في كل ما كتب. ولم يكن ابن بطوطة رحالة فقط بل كان مؤرخا وقاضيا وفقيها وناظما للشعر فالبعض منا يعرف هذا الشخص ولكن يجهل انجازاته وإسهاماته في الجغرافيا والتاريخ وفي أذاب الرحلة…
رجل ليس ككل الرجال عانى معاناة حقيقية في زمن لا توجد وسيلة نقل مناسبة كما هو في عصرنا الحالي وآلة تصوير… لكن استطاع بصبره وجهده وكده ومكابدة ترك الأوطان، فتحولت عينه إلى عدسة فوتوغرافية، ولسانه إلى معلق على ما يقع في بؤرة هذه العدسة، وعقله إلى محلل لما يعن له من انطباعات جديدة ومتجددة مع طول الطريق وعجائب الدنيا. إنه ابن بطوطة، معه نشعر بأننا أمام قلق إنساني عميق تجاه المجهول، قلق لا يهدأ إلا بالمعرفة التي تستدعي البحث والسؤال، وأدواته التجول والتعرف إلى عالم لم يكن بالإمكان معرفة أي شيء عنه آنذاك إلا بالمعاينة من خلال الرحلة التي امتدت في حالته إلى ثمانية وعشرين عاماً .
حياته:
اسمه بالكامل هو أبو عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، وعرف بابن بطوطة. ولد بمدينة طنجة شمال المغرب يوم 24 فبراير/ شباط 1304، (24 فبراير 1304 – 1377م بمراكش) (703 – 779هـ) هو رحّآلة ومؤرخ وقاضي وفقيه مغربي لقب بأمير الرحالين المسلمين ولد في طنجة سنة(703 هـ/1304 م) بالمغرب من نسب إلى الأمازيغ وولد وترعرع وسط عائلة علماء في القضاء الإسلامي في عهد الدولة المرينية وفي فتوته درس الشريعة في مدرسة سنية مالكية وقرر عام 1325 وهو ابن واحد وعشرين عاماً، أن يخرج حاجاً كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد الإسلام. وخرج من طنجة سنة 725 هـ فطاف بلاد المغرب ومصر والسودان والشام والحجاز والعراق وفارس واليمن والبحرين وتركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين الجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا. واتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم – وكان ينظم الشعر – واستعان بهباتهم على أسفاره. واستغرقت رحلته 27 سنة (1325-1352 م) ومات في طنجة سنة 779 هـ/1377 م حيث يوجد ضريحه بالمدينة القديمة. رغم مكان دفنه مازال الى يومنا يثير النقاش بين المؤرخين، فالأكاديمي المتخصص في التاريخ وابن مدينة طنجة، رشيد التفرسيتي، فله عدد من الإصدارات عن حقيقة الجدل حول موقع قبر الرحالة ابن بطوطة.
وقال التفرسيتي جازماً، إن قبره هو الذي يوجد بالمدينة القديمة لطنجة، وأن تعليقات مؤرخ المملكة عبد الهادي التازي في الموضوع “مجرد آراء شخصية لمؤرخ يُحترم، لكن هي أراء تنقصها الدلائل العلمية”. مع مؤرخ المملكة المغربية د. عبد الهادي التازي، (سألته قناة الجزيرة القطرية عن حقيقة وجود قبر الرحالة ابن بطوطة بطنجة من عدمه، فكان جواب المؤرخ أنه وبعد التحقيق والدراسة، تبين أن الرحالة دفن بـ “أنفا” التي هي الدار البيضاء حالياً، ودليله في ذلك أن الرحالة ابن بطوطة اشتغل في آخر أيامه قاضياً بمنطقة تماسنا غرب المغربوأضاف التازي أن عالمين، وهما ابن الخطيب وابن حجر، أكدا للسلطان المغربي الحسن الأول، حينما حاول التأكد من مكان وجود قبر الرحالة، فَرَاسَلَ في ذلك مجموعة من علماء طنجة آنذاك، وقد أكدوا له بأنه لم يدفن بالمدينة.)
ورغم تعدد الروايات حول مكان دفن ابن بطوطة، فإن الموضوع ما زال مفتوحاً على البحث العلمي والتاريخي، فيما يتشبث أبناء طنجة بنوم الرحالة الأبدي فوق أرض مدينتهم، كأنهم يحاولون أن يحتفظوا بجزء من تاريخ رجل عظيم لهم ولأبنائهم من الأجيال القادمة.
تلقبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين الوطنيين، في أول رحلة له مر ابن بطوطة في الجزائر وتونس ومصر والسودان وفلسطين وسوريا ومنها إلى مكة. وفيما يلي مقطع مما سجله عن هذه الرحلة: ” من طنجة مسقط رأسي في” يوم الخميس 2 رجب 725هـ / 1324م” معتمداً حج بيت الله الحرام وزيارة قبر الرسول عليه الصلاة والسلام، منفرداً عن رفيق آنس بصحبته، وركب أكون في جملته، لباعث على النفس شديد العزائم، وشوق إلى تلك المعاهد الشريفة… فجزمت نفسي على هجر الأحباب من الإناث والذكور، وفارقت وطني مفارقة الطيور للوكور، وكان والداي بقيد الحياة فتحملت لبعدهما وصباً، ولقيت كما لقيا نصباً.” قام ابن بطوطة بثلاث رحلات وقد استغرق في مجموعها نحو ثلاثون سنة وكان أطولها الرحلة الأولى التي زار خلالها معظم نواحي المغرب والمشرق وكانت أطول إقامة له في بلاد الهند حيث تولى القضاء سنتين ثم في الصين حيث تولى القضاء سنة ونصف السنة وفي هذه الفترة وصف كل ما شاهده وعاينه فيهما وذكر كل من عرفه من سلاطين ورجال ونساء ووصف ملابسهم وعاداتهم وأخلاقهم وضيافتهم وما حدث في أثناء إقامته من حوادث. يحق لنا أن نفتخر بابن بطوطة ويحق لنا أتن نتمنى أن يظهر في عالمنا العربي والإسلامي أمثاله من الباحثين والمستكشفين، وهناك خلاف في تاريخ وفاته ما بين 1368 أو 1369.
بدأ ابن بطوطة مغامراته سنة 1325، برحلة أداء مناسك الحج بمكة، لكنه لم يعد إلى المغرب إلا بعد تسعة وعشرين سنة من السفر المتواصل، جاب خلالها أربعة وأربعين بلداً في الشرق وآسيا مثل الهند وجزر المالديف والصين وروسيا.
المرحلة الثانية من رحلات ابن بطوطة قادته بداية إلى الأندلس ومنطقة الصحراء وأفريقيا الغربية، واستمرت من سنة 1346 إلى سنة 1349.
مؤلّفات ابن بطوطة:
(تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) عاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان (من ملوك بني مرين) فأقام في بلاده. وأملى أخبار رحلته على محمد بن جزي الكلبي بمدينة فاس سنة 756 هـ وسماها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. ترجمت إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجم فصولا منها إلى الألمانية نشرت أيضا. كان يحسن التركية والفارسية.
رحلات ابن بطوطة الشهيرة:
يمكن تقسيم محتوى رحلة ابن بطوطة إلى ثلاثة أقسام رئيسية: تبدو في: الجانب الروحي، الجانب الواقعي، الجانب الخرافي.
الجانب الروحي:
ما نجده في الرحلة من جوانب دينية تصوفية غيبية للاتصال بمفكرين متصوفين في الصين والهند ومصر، ومن ذلك أيضا قوله عن نومه في زاوية بمدينة فوا بمصر: “رأيت ليلتي تلك وأنا نائم بسطح الزاوية، كأني على جناح طائر عظيم، يطير بي في سمت القبلة، يأتيا من ثم يشرق، ثم يذهب في ناحية الجنوب، ثم يبعد الطيران في ناحية الشرق، وينزل في أرض مظلمة خضراء ويتركني بها. فعجبت من هذه الرؤيا وقلت في نفسي: “إن كشفني الشيخ برؤياي فهو كما يحكى عنه، ثم سبحت في الضحى ودعاني، وكاشفني برؤيي فقصصتها عليه فقال سوف تحج وتزور النبي صلى الله عليه وسلم وتجول في بلاد اليمن والعراق وبلاد الترك وتبقى بها مدة طويلة وستلقى بها دلشاد الهندي ويخلصك من شدة تقع فيها” وزار في طريقه الى الإسكندرية الى القاهرة عددا من الأولياء، ونقل كرامات بعضهم، منهم جمال الدين الساوي وساق كرامته له. وأطال الحديث عن زوايا مصر وشيوخه.
الجانب الواقعي:
ونقصد به ما عينه ابن بطوطة بأم عينه وهو الأهم في رحلة ابن بطوطة، فهو يكتفي بالعرض ثم الاندهاش والمفاجأة، وعندما تكون في بعض الصور أكاذيب لا يعرج عليها. وإذا شك ابن بطوطة في خبر من الأخبار يطبعه بطابع “الزعم” فيقول على سبيل المثال: زعم أنه أو يزعمون إلى غير ذلك من العبارات. كما يتميز بدقة الوصف حتى في الجزئيات الصغيرة والجانب المقارنة مثلا بين ما شهده في مصر وعلاقته في المغرب يقول “إذا تأملنا لحوم الأغنام بديار مصر تباع بحساب ثماني عشرة أوقية: أوقية هو درهم نقرة الذي يساوي ستة دراهم مغربية، وبالمغرب يباع اللحم إذا غلا سعره ثماني عشرة أوقية، بدرهمين وهم ثلث النقرة. والملاحظ هنا حتى الحس الاقتصادي والتجاري الذي يتوافر عليه ابن بطوطة بل أكثر من ذلك الحس السياسي الاجتماعي السوسيو الإنساني الفني البيئي إلى غير ذلك
الجانب الخرافي:
تعتبر الأساطير والخرافات في رحلة ابن بطوطة من أهم المواد، وتشكل مادة تراثية غنية، وهذا ما يعطيها إيقاعا متميزا، مثالا عن ذلك يذكر ابن بطوطة أن من عادات أهل الطريقة القندرية في مصر التي أسسها جمال الدين الساوي حلق اللحى والحواجب، وكان سبب ذلك فيم يرويه لنا مراودة امرأة لهذا الشيخ، فبعد إدخالها له البيت راغبة أن يقرأ لها رسالة طلب منها أن يدخل دورة الماء فحلق لحيته وحاجبيه فكان ذلك عملا عصمه من كيدها فأصبح أتباعه يحلقون مثله، على حد تعبيره. وابن بطوطة يسند هذه الأخبار إلى العامة وهؤلاء كما نعلم مولعون بتصديق هذه الغرائب والخرافات والأكاذيب وتتحول إلى صفة غير طبيعية وفوق الطبيعة البشرية.